لا يمكن أن تكون وراء كل هذا الاستهداف الإجرامي المتواصل لـ"الأقباط"، الذين هم ملح مصر وذاكرتها التاريخية، إلا جهة تريد تشويه صورة أرض الكنانة، هذه الدولة العربية، التي بقيت تلعب الدور الرئيسي المميز دفاعاً عن هذه الأمة، والتي قدمت من أجل فلسطين وحدها شهيداً من كل كفر وقرية، وربما أكثر.إن "الأقباط" في مصر ليسوا مجرد رقم "زائد"، بل هم بالنسبة لأرض الكنانة مثلهم مثل نهر النيل العظيم، الذي إن غير مجراه أو توقف عن جريانه المتواصل ولو للحظة واحدة فإن هذا البلد، الذي قدم للحضارة الإنسانية ما لم يقدمه أي بلد آخر، سيفقد لحظة التاريخ إلى الأبد، ولهذا فإن هؤلاء الذين يستهدفون ملح أرض الكنانة ونيلها وذاكرتها التاريخية ووجدانها الإنساني لا يمكن إلا أن يكونوا مجرمين وقتلة، حتى إن كانوا بذقون مسترسلة أو بدون ذقون، وحتى إن ارتكبوا كل هذه الجرائم التي ارتكبوها والتي يرتكبونها باسم الدين الإسلامي العظيم الذي هو دين الرحمة والتآخي ودين "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق".
ربما لا يعرف هؤلاء المجرمون القتلة، الذين ستكشف الأيام غير البعيدة من هم ومن يقف وراءهم، أنه يكفي "الأقباط"، الذين قدمهم في مصر من قدم أهرامات الجيزة و"أبو الهول" ووادي النيل، أنهم أعطوا لأرض الكنانة وللأمة العربية ولفلسطين الأب شنودة وقائد الفرقة "18" في الجيش المصري العظيم، الصعيدي ابن "المنيا" الجنرال فؤاد عزيز غالي، الذي دمر خط بارليف في حرب أكتوبر 1973 البطولية.هناك مثل يقول "قل لي من هو المستفيد أقول لك من الفاعل"... وحقيقة إن أول مستفيد من استهداف "الأقباط"، ملح أرض الكنانة، هو إسرائيل، حتى وإن لم تكن المرتكب المباشر لهذه الجرائم، التي هناك كثيرون يعرفون الذين يرتكبونها، والذين يمولونها ويقفون وراءهم، إذ إن بإمكان الإسرائيليين أن يقولوا للضاغطين عليهم في الغرب إنه إذا كان المسلمون والعرب يستهدفون "الأقباط" وعلى هذا النحو فكيف تريدون منا أن نتخلى عن "حدودنا الآمنة"؟! وقنابلنا النووية، وأن نطمئن على مستقبل أطفالنا وأجيالنا في هذه المنطقة؟!ثم إن المستفيدين أيضاً هم الذين اعتصموا في "رابعة العدوية"، ورفعوا شعار "الجهاد" ليس ضد إسرائيل و"العدو الصهيوني" إنما ضد مصر على اعتبار أنها إما أن تكون لهم وإما أن تغرق في الفوضى والدماء، وأيضاً فإن المستفيدين هم أولئك المتورمون بداء العظمة الفارغة، والذين لا يتورعون عن الاستعانة بهذه الجرائم ليفرضوا أنفسهم كرقم فاعل في هذه المنطقة! وهكذا فإن المفترض أن يعتبر العرب كلهم... والمسلمون الصادقون أيضاً أن استهداف "الأقباط" المسيحيين، المجبولة دماء أجدادهم منذ بداية التاريخ بتراب أرض الكنانة الطهور وبمياه نهر النيل "المقدس"، هو استهداف لهم، وأن عليهم ألا يكتفوا بمجرد التنديد الكلامي بهذه الجرائم، وأن يقفوا إلى جانب مصر... أم الدنيا بالأفعال وبشجاعة الأقوال.
أخر كلام
مع مصر و«أقباط» مصر
29-05-2017