انحاز الفنان هاني شاكر، عبر فيديو كليب أغنية «معقول»، لفنه ولوحاته منعزلاً عن الناس، باحثاً عن راحة مفقودة يسكب ملامحها عبر أعماله، يرسم في عالم التشكيل سحنة لم تبرح ذاكرته، وينحت تقاطيع وجه لا يمل النظر إليه، ويعبر برمزية عن مشاعر مرهفة وأدتها قسوة الزمان وبددتها ظروف الإنسان.

يظهر المطرب هاني شاكر في المشهد الاستهلالي للكليب، وهو ينظر بإعجاب إلى حبيبته التي تجسد دورها الفنانة رندا، لكن الصورة تبدو مموجة، في دلالة على أن ما يعرض مستوحى من الذاكرة، وعقب لقطات متبادلة بينهما وابتسامة تعلو قسمات وجه هاني شاكر، تخفي راندا وجهها خلف كتاب... هنا يعلن المخرج عادل عوض بدء القصة، وكأن الكتاب فتح دفتيه لسرد تفاصيل حكاية دموع هاني. وعبر لقطات متلاحقة، تكشف هذه المشاهد عن قصة حب تجمع بين هاني ورندا.

Ad

تنساب الحكاية رويداً رويداً، عبر تقطيع اللقطات بشكل متقن. وضمن هذا الإطار، لم يفت مخرج العمل إيصال فكرة مهمة في بداية الكليب تتلخص في ضرورة أن يفرق المتلقي بين هاني المطرب وهاني الممثل، فالمطرب يروي حكاية فنان تشكيلي يجسده الفنان هاني شاكر، ومن خلال اللقطات الأولى للكليب يتضح أن هاني العاشق يعاني صدمة كبيرة تؤرقه وتشكل له هاجساً كبيراً، وبرغم انزوائه عن الناس وتكريس جهده للتشكيل في محترفه الخاص، فإن الظروف لا تسير على هواه، ومَن يهرب من مواجهتها فوجئ بزيارتها لمحترفه، وفي مكان عزلته.

لم يدر في خلد هاني أن تأتي حبيبته بملء إرادتها لمشاهدة أعماله، فهو لم يستعد لهذا اللقاء غير المرغوب فيه، وربما الأشد إيلاماً أنها عادت برفقة زوجها تتجول في المكان وتشاهد صورها ومجسماتها التي تملأ المحترف، بينما هاني المصدوم يردد:

بعد ما ذابت أحلامي...

بعد ما شابت أيامي...

ألقاك هنا قدامي...

دا كتير قوي

كتير قوي

كتير قوي يا زماني..

اختلط الأمر على هاني المحب الذي هجرته حبيبته منذ أعوام، ولم يعد يفرق بين المعقول واللامعقول، بسبب الصدمة التي تجرع مرارتها فأفقدته ثقته بنفسه أولاً ثم بالآخرين، فلم يستطع التمييز بين ما يحسه من مشاعر وجدانية وما يشاهده، إلى أن أصبح لا يدرك الواقع جيداً.

وفي المقطع الثالث من الأغنية حركة متوترة ترصدها كاميرا المخرج عادل عوض، عبر لقطات مؤثرة ودموع حارة ونبرة صوت بائسة ملأتها الحسرة واليأس، فهو خلاصة الحكاية وألم النهاية والجرح الذي لا يندمل، فكلما هزت ريح الذكريات وجه الحكاية قذفت في قلب الإحساس شحنة من الحزن يصعب التخلص منها، فسكة قطار الأسى محفورة في الأعماق. جاء هذا المقطع الثالث أو الأخير على النسق الشعوري للمقطعين، بينما جرعة الألم كانت تفوقهما معا والإحساس بالعذاب ثم تجرع مرارته بمنزلة طعنة جديدة نافذة لا يستطيع النجاة منها، لاسيما إذا كانت الطعنة في سن لا تسمح له بتجاوزها، فقد أثقلته الأيام وسلبته رباطة الجأش والجلَد، وأصبح هاني كالريشة لا يستطيع مجابهة الرياح العاتية.

يركض هاني في المشهد الأخير خلف السيارة التي أقلت حبيبته «السراب»، دامع العينين ثقيل الخطوات، يكاد يشعر الرائي إليه أن ثمة رصاصا اخترق جسده فأوهن خطاه وبعثر همته.

يركز المخرج على حركة السيارة التي أطلقت عجلاتها للريح، بينما يقف هاني في هذه الاجواء لا يملك شيئاً غير الحسرة، فهي جاءت لتنكأ الجراح وتجدد الألم.