هو عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، لم تكن له جاهلية، فقد أسلم، وهاجر مع أبيه وهو صغير، وطلب الجهاد وهو صبي، ورده رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مرتين، وأجازه في الثالثة في غزوة الخندق وقد بلغ يومئذ الخامسة عشرة أو حولها.وهو رضي الله عنه من فقهاء الصحابة، وأحد العبادلة الأربعة، (ابن عباس وابن الزبير وابن عمرو بن العاص وابن عمر)، تأخرت وفاتهم حتى احتيج إلى علمهم، فكانوا إذا اجتمعوا على شيء من الفتوى قيل: هذا قول العبادلة.
كان رضي الله عنه من أشد الناس اتباعاً للسنة، وكان يحفظ ما سمع من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ويسأل من حضر إذا غاب عن قوله (صلى الله عليه وسلم) وفعله، وكان يتبع آثار النبي ويقتدي به في جميع أموره، وكان يتتبع آثاره في كل مسجد صلى فيه، وشهدت له أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقالت: (ما كان أحد يتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم في منازله، كما كان يتبعه ابن عمر).كان يعرف أن الخلاص في الاتباع، وأنه الطريق المستقيم، وكان يقول: (إني لقيت أصحابي على أمر وإني أخاف إن خالفتهم ألا ألحق بهم)، وكان على درب أبيه يمضي حتى قيل عنه: (ما ناقة أضلت فصيلها في فلاة من الأرض بأطلب لأثرها من ابن عمر لعمر بن الخطاب). وكان رضي الله عنه وقافا عند آيات الله، يبكي عند بعضها، يقوم فينفذ ما في بعضها الآخر، وكان له أكثر من موقف يروى مع الآية الكريمة:"لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ" (آل عمران:92)، فكان إذا أحب شيئًا أنفقه في سبيل الله، ويروى أنه قال: خطرت هذه الآية فتذكرت ما أعطاني الله فما وجدت شيئا أحب إليَّ من جاريتي "رميثة" فقلت هذه حرة لوجه الله، فلا أعود في شيء جعلته لله، ولولا ذلك لنكحتها، فأنكحها نافعاً مولاه وهي أم ولده، وكان رقيقُه قد عرفوا ذلك منه، فربما لزم أحدهم المسجد، فإذا رأه ابن عمر على تلك الحال الحسنة أعتقه، فيقول له أصحابه: يا أبا عبد الرحمن، والله ما بهم إلا أن يخدعوك، فيقول ابن عمر: "من خدعنا بالله انخدعنا له".هو واحد من أكثر الصحابة رواية للحديث، ويعد ثاني المكثرين بعد أبي هريرة رضي الله عنه، وهو من أصحاب الألوف، عدَّ له العلماء ألفي حديث وستمائة حديث وثلاثين حديثا، (2630)، وله في مسند الإمام أحمد بن حنبل ألفا حديث وتسعة عشر حديثاً (2019)، روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، فروى الشيخان البخاري ومسلم عنه (168) مئة وثمانية وستين حديثا، وانفرد له البخاري بواحد وثمانين (81) حديثا، وانفرد له مسلم بـواحد وثلاثين (31) حديثا، وروى عنه خلق كثير.عند بعض أهل العلم هو آخر من مات من الصحابة في مكة، وتوفي بعد الحج على إثر جرح أصابه من الزحام عند الجمرة، وذكر الزبير أن عبد الملك بن مروان لما أرسل إلى الحجاج الثقفي ألا يخالف ابن عمر شق على الحجاج ذلك، فأمر رجلاً معه حربة يقال إنها كانت مسمومة، فلما دفع الناس من عرفة لصق ذلك الرجل به فأمرَّ الحربة على قدمه، فمرض منها أياماً ثم مات رضي الله عنه، ودفن بمكة.
توابل - دين ودنيا
عبدالله بن عمر... ابن أبيه في العلم والورع
30-05-2017