مواجهة المتعصبين في أوروبا
لا شك أن المجتمع الذي يستند إلى القيم لا مكان فيه لحكومات كتلك التي تحكم المجر وبولندا الآن، وينبغي للاتحاد الأوروبي أن يستحضر المادة السابعة في أقرب وقت ممكن، وبأعرض أغلبية ممكنة بين الدول الأعضاء.
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
على وجه الخصوص، عكف كل من زعيم بولندا بحكم الأمر الواقع ياروسلاف كاتشينسكي، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، على بناء دولة متعصبة رجعية داخل الاتحاد الأوروبي، فمنذ وصوله إلى السلطة في عام 2010، استخدم أوربان أغلبيته البرلمانية الكبيرة لإعادة كتابة دستور المجر لتحقيق غاياته الخاصة. ومن الواضح أن الفوز بالانتخابات ليس كافيا، فهو يريد الآن تمزيق القيم الليبرالية التي كان ذات يوم يدافع عنها كسياسي وسطي شاب، وترسيخ سيطرته على العملية السياسية في المجر.في السنوات الأخيرة، سعى أوربان حثيثا إلى تنفيذ مشروعه من خلال وسائل متنوعة وقاسية، فعلى نحو منتظم، تقوم الحكومة بمضايقة منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية أو الإغارة عليها، وتتلقى وسائل الإعلام التي تنشر دعاية أوربان إعفاءات ضريبية، في حين تُفرَض على تلك التي تنتقده أعباء ضريبية ثقيلة إلى الحد الذي يرغمها على الاستسلام في نهاية المطاف. وهذا يعني أن أموال الاتحاد الأوروبي تستخدم فعليا لإذكاء نار التعصب والتشكك في أوروبا.في أحدث انتهاك تحاول حكومة أوربان إغلاق جامعة أوروبا الوسطى في بودابست، ورغم أن هذه الجامعة التي أسسها المستثمر المجري الأميركي المحب لعمل الخير جورج سوروس، ويقودها الباحث في مجال حقوق الإنسان وزعيم المعارضة الكندي السابق مايكل إجناتيف، تبلغ من العمر 26 عاما فقط، فإن العديد من أقسامها تحتل بالفعل مراتب محترمة بين أفضل خمسين على مستوى العالَم، ومع هذا رفض أوربان أن يتحدث مع إجناتيف؛ وبالتالي ربما تُرغَم الجامعة على إغلاق أبوابها بحلول نهاية العام.بأسلوبه الدكتاتوري الأنيق، حاول أوربان تشويه سمعة جامعة أوروبا الوسطى من خلال تقارير هستيرية عن التمويل الأجنبي للجامعة، ولأنه يريد تصوير الجامعة على أنها "غير مجرية"، فإنه يُغفِل عادة ذِكر حقيقة مفادها أنه شخصيا حصل على منحة دراسية ممولة من سوروس للدراسة في أكسفورد بعد فترة وجيزة من انهيار النظام الشيوعي في المجر.الواقع أن هجوم أوربان على جامعة أوروبا الوسطى ليس مجرد انتهاك للحرية الأكاديمية، فبعد أن نجح في إضعاف المحكمة الدستورية والصحافة الحرة في المجر، يريد الآن تقويض الفِكر الانتقادي ذاته. وإذا نجح فهو بهذا يزيل من طريقه ضابطا آخر من الضوابط التي تقيد سلطته، وبإغلاق هذه المؤسسة البارزة التي تدعمها الولايات المتحدة، يمكنه إرسال رسالة مفادها ألا أحد على الإطلاق تصدى له وفاز.استخدم الطغاة عبر التاريخ التكتيكات نفسها، غير أن أوربان يفعل هذا في الاتحاد الأوروبي في عام 2017، ومن الجدير بالذِكر أن المجر اضطرت، حتى يتسنى لها الالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي، إلى تلبية معايير الانضمام الصارمة، بما في ذلك المؤسسات الديمقراطية الجديرة بالثقة والالتزام بسيادة القانون. ومن الواضح أن تآكل هذه المعايير العالية بشكل منهجي الآن لا يخلو من مفارقة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، فبمجرد انضمام دولة ما إلى الكتلة، يُصبِح ما يمكن القيام به لضمان صيانتها للمعايير الديمقراطية وتمسكها بالقيم الأوروبية ضئيلا. فقد تطلق المفوضية الأوروبية ضد المجر ما تشاء من "إجراءات المخالفة"؛ وما على أوربان ببساطة إلا أن يرفضها في تلذذ وبابتسامة ساخرة، وبعد أشهر من الحوار مع مسؤولين في الحكومة المجرية أصبح الخيار الوحيد المتاح للاتحاد الأوروبي الآن هو استحضار المادة السابعة من معاهدة لشبونة، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى حرمان المجر من حق التصويت داخل الاتحاد الأوروبي.الواقع أن الاحتجاج بالمادة السابعة ليس "خيارا نوويا"، كما ادعى بعض المراقبين، بل هو استجابة منطقية في الرد على حكومة دولة عضوة انتهكت بشكل روتيني حقوق المواطنين الأساسية وقيم الاتحاد الأوروبي. في وقت سابق من هذا الشهر وافق أخيرا أعضاء البرلمان الأوروبي، بعد محاولتين سابقتين، على قرار يمهد الطريق لفرض عقوبات ضد المجر على مستوى الاتحاد الأوروبي.من منظور البرلمانيين الأوروبيين، لا يوجد سبب يمنع التنفيذ السريع للعقوبات، فقد وَثَّقَت المفوضية الأوروبية بالفعل حقائق ووقائع القضية ضد المجر كاملة مع الحجج والحجج المضادة، وإذا وافق ثلثا أعضاء البرلمان الأوروبي على العقوبات الآن، فسيُصبِح في الإمكان إحالة الملف إلى المجلس الأوروبي، وعندها لن يكون أمام رؤساء الدول الأوروبية أي اختيار سوى التصدي لهذه المسألة.إن مصداقية أوروبا تعاني بالفعل لأن بعض قادتها يتخذون مواقف غير واضحة تجاه أردوغان وترامب وبوتين، ولكن استمرار هذا التردد في التصدي لتجاوزات أوربان سيؤدي حتما إلى تكاليف أشد خطورة في الأمد البعيد، ويتعين على الأوروبيين أن يتطلعوا إلى ما هو أكثر من مجرد المشاركة في سوق داخلية. وينبغي لنا أن نعمل على استعادة المجتمع الذي يستند إلى القيم والذي ساعدنا ذات يوم في التصدي لطغاة من أمثال فرانسيسكو فرانكو، وأنطونيو دي أوليفييه سالازار، والعسكر اليونانيين، إنه المجتمع الذي وحد أوروبا بعد انهيار الشيوعية.لا شك أن المجتمع الذي يستند إلى القيم لا مكان فيه لحكومات كتلك التي تحكم المجر وبولندا الآن، وينبغي للاتحاد الأوروبي أن يستحضر المادة السابعة في أقرب وقت ممكن، وبأعرض أغلبية ممكنة بين الدول الأعضاء. وبعد أوربان، يجب علينا أن نوجه انتباهنا إلى كاتشينسكي.*جاي فيرهوفشتات* رئيس وزراء بلجيكا الأسبق، ورئيس تحالف الليبراليين والديمقراطيين من أجل أوروبا في البرلمان الأوروبي.«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»
مصداقية أوروبا تعاني بالفعل لأن بعض قادتها يتخذون مواقف غير واضحة تجاه أردوغان وترامب وبوتين