سندات الجوع

نشر في 30-05-2017
آخر تحديث 30-05-2017 | 00:10
فنزويلا تشهد أحد أكثر الانهيارات الاقتصادية كارثية مع جرعات كبيرة من القمع السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان، مما يعني أن استثمارك في مؤشر سندات الأسواق الناشئة لـ"جي بي مورغان" يعني أنك سعيد عندما يخبرك محللو "وول ستريت" أن فنزويلا تقوم فعليا بتجويع شعبها من أجل تجنب إعادة هيكلة سنداتك.
 بروجيكت سنديكيت إن الاستثمار عادة ما يخلق معضلات أخلاقية تتجاوز الأهداف: هل نستهدف الإنجاز أو عمل الخير؟ وهل من المناسب الاستثمار في شركات التبغ؟ أو في شركات تبيع الأسلحة إلى عصابات المخدرات؟

إن الشعبية التي حظيت بها صناديق الاستثمار ذات التأثير التي تعد بعوائد طيبة وتحقيق أهداف اجتماعية أو بيئية تقوم على أساس هذا القلق، إذ تجد أن آليات الاستثمار هذه تساعدها في عمل الخير والإنجاز بالأموال التي تنفقها على الأعمال الخيرية، وبالأصول الوقفية التي تحقق العوائد، والتي تعتمد عليها الأعمال الخيرية الخاصة بتلك المؤسسات.

إن الأسواق الناشئة هذه الأيام هي ضمن فئة الأصول التي تجعل الناس يشعرون بعدم الارتياح من الناحية الأخلاقية فهل يجب على الناس المحترمين وضع أموالهم في صناديق سندات في الأسواق الناشئة؟

إن عوائد مؤشر سندات الأسواق الناشئة لـ"جي بي مورغان" تتأثر بشكل كبير بما يحدث في فنزويلا، والسبب بسيط هو أنه مع أن فنزويلا تمثل 5% فقط من المؤشر فإنها تمثل نحو 20% من العائد، وذلك نظرا لأن العائد على الدين الفنزويلي هو أكبر بخمسة أضعاف تقريبا من البلدان الأخرى ضمن المؤشر، وهذا يعكس المخاطر الكبيرة التي تواجه فنزويلا، كما أن تقلبات الأسعار للدين الفنزويلي- الأعلى في مؤشر سندات الأسواق الناشئة لـ"جي بي مورغان"- تمثل حصة غير متناسبة من التحركات السعرية اليومية للمؤشر.

يمكنك أن تستثمر في مؤشر سندات الأسواق الناشئة لـ"جي بي مورغان" لأنه يعد بعوائد أعلى أو لأنك تريد أن تجعل مدخراتك متوافرة لقطاع أكبر من البشرية، ولكن لو قمت بذلك فإنك تشجع الدين الفنزويلي، وهذا يعني أنك تتمنى حصول أشياء سيئة للغاية للشعب الفنزويلي.

وكما ورد على نطاق واسع في وسائل الإعلام فإن فنزويلا تشهد أحد أكثر الانهيارات الاقتصادية كارثية مع جرعات كبيرة من القمع السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان، مما يعني أن استثمارك في مؤشر سندات الأسواق الناشئة لـ"جي بي مورغان" يعني أنك سعيد عندما يخبرك محللو "وول ستريت" أن فنزويلا تقوم فعليا بتجويع شعبها من أجل تجنب إعادة هيكلة سنداتك.

ومن السهل تفسير سعادتك، فالواردات الفنزويلية بعد أن انهارت بنسبة 75% من 2012 إلى 2016 انخفضت أكثر من 20% في الربع الأول من سنة 2017، فهذه أخبار طيبة لك كمستثمر في مؤشر سندات الأسواق الناشئة لـ"جي بي مورغان" لأن هذا يعني أن المزيد من الأموال يتم تخصيصه لخدمة سنداتك، وفي الوقت نفسه فإن الفنزويليين يخسرون الوزن بدون قصد، ويبحثون عن الطعام في أكوام القمامة، وبالطبع فإن هذه كارثة إنسانية ولكن بالنسبة لك هي فرصة استثمارية رائعة.

الآن افترض أنك ستحتفظ بالدين الفنزويلي لأنك تأمل أن يخسر الرئيس نيكولاس مادورو السلطة، وأن تتولى السلطة حكومة أكثر منطقية وديمقراطية تتوافق بشكل أكبر مع بوصلتك الأخلاقية، وحتى في هذه الحالة فإنك لا تزال تريد استخدام المكتسبات من الانتعاش المستقبلي لفنزويلا بشكل تفضيلي من أجل خدمة الدين القديم الذي تم استخدامه لتمويل الفساد والهدم على المستوى الوطني على يد مادورو وسلفه هيوغو تشافيز، فأنت لن تشجع استعادة الفنزويليين حياتهم التي يستحقونها بعد أن عاشوا هذا الكابوس.

كما ستشجع قيام القضاة الأميركيين بمصادرة الأصول وحجز الأموال من أجل أن يدفعوا لك، وفي واقع الأمر فإن المحللين المتفائلين بالدين الفنزويلي كانوا يضغطون على الحكومة وقادة المعارضة بتهديد مبطن: مجرد النظر في إعادة هيكلة سنداتك سيسمح لأولئك الذين يديرون أصولك بالتسبب في إحداث فوضى في فنزويلا.

لو كنت شخصا محترما فإن الاستثمار في السندات الفنزويلية يجب أن يجعلك تشعر "بالغثيان الى حد ما"، وهي العبارة نفسها التي استخدمها مدير مكتب التحقيقات الفدرالي السابق جيمس كومي أثناء شهادته للكونغرس الأميركي، وإن مديري صناديق الأسواق الناشئة يشعرون بعدم راحة مماثلة، فهم يخصصون وقتا زائد على الحد لاتخاذ القرار المناسب فيما يتعلق بفنزويلا؛ لأن مكافآتهم مبنية على أساس أدائهم، مقارنة بالمؤشر الذي تعتبر فنزويلا فيه المحرك الأساسي.

فالأشخاص الأقل اهتماما بالجانب الأخلاقي من هؤلاء فرحون بالتقدير الذي يحصلون عليه لأن توقعهم كان صحيحا بالنسبة إلى قرار حكومة مادورو تجويع شعبها عوضا عن إعادة هيكلة السندات التي تحملها، وإن المحللين وحاملي السندات يضغطون على الحكومة والمعارضة كي لا تسعى إلى الحصول على دعم مالي من صندوق النقد الدولي، وذلك خوفا من قيام المجتمع الدولي بالمطالبة بأن تقبل تخفيضا كبيرا في استثمارك، كما كانت عليه الحال مع دائني اليونان.

ربما لن يكون ذلك جيدا بالنسبة إلى الائتمان، كما قام المحللون وحاملو السندات كذلك بالضغط على الجمعية الوطنية التي تسيطر عليها المعارضة في فنزويلا للإقرار بالدين الخارجي لفنزويلا مقابل حرية السجناء السياسيين، مما يوحي بإمكانية دفع سنداتك من خلال الفدية.

إذاً هل يجب أن تتوقف عن الاستثمار في صناديق الأسواق الناشئة فقط لأن 5% من مدخراتك ستذهب لتمويل فنزويلا؟ من الواضح أن هذا سيعاقب البلدان الأخرى التي تعتبر من المتفرجين البريئين على هذه الفوضى الفنزويلية. إذاً لا بد أن يكون هناك طريقة أفضل.

هناك طريقة أفضل بالفعل، فالحل يتمثل بمطالبة "جي بي مورغان" فورا باستثناء فنزويلا من مؤشرات السندات للأسواق الناشئة التي تقوم بحسابها، مما سيعفي مديري الصناديق من الحاجة لمقارنة أدائهم على أساس سندات الجوع، وفي المستقبل يجب على "جي بي مورغان" تقديم مؤشر مقبول للأسواق الناشئة الذي سينقذك من المعاناة الأخلاقية، وذلك عن طريق التحقق من أن البلدان التي تطبق الحد الأدنى من معايير الاحترام لمواطنيها هي المشمولة في هذا المؤشر فقط.

إن مؤشرا مقبولا للأسواق الناشئة سيسمح لك بتشجيع الحصول على عوائد أعلى على مدخراتك بدون تمني حصول معاناة إنسانية، وإن بإمكانك أن تنجح بدون أن تشعر بالأسى.

*ريكاردو هوسمان

* وزير سابق للتخطيط لفنزويلا وكبير الاقتصاديين السابق لبنك التنمية للأميركتين وهو يعمل حاليا كمدير لمركز التنمية الدولية في جامعة هارفارد وأستاذ الاقتصادات في كلية هارفارد كينيدي.

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق

مع «الجريدة»

back to top