يحمل معرضك الراهن «كنا» إيحاء بأنه نوع من البكاء على الماضي؟في معرض «كنا» استدعيت ماضياً أشبه بالحلم، لأن ثمة أشياء وأموراً بدأنا نتركها طواعية، أو إغواءً. الناس يتجهون نحو حضارة مدنية، ويؤدي التلفزيون دوراً كبيراً في هذا الشأن. شخصياً، نشأت في الريف وأعرف قيمة الأرض السمراء التي تنتج محصولاً بحسب اهتمامات المزارع، والريف بالنسبة إلي قضية، وأؤمن بأن مصر بلد زراعي، وبديهي أن يكون صناعياً أيضاً. لذا لم أيأس أو أتباكى على الماضي باعتباري أطلقت على المعرض «كنا»، ولكني متفائل، فالنيل والأرض موجودان في «كنا» لأني أخترت موضوعات من الحياة اليومية التي كانت تقوم على الزراعة، كاستئناس الحيوان وتربية الطيور، والزفاف في مواسم الحصاد. حتى أن ثمة لوحة رباعية أطلقت عليها «يوميات رجل في الأرياف»، توضح ما كان الرجل يقوم به منذ مطلع النهار حتى نهايته.
أدّت التقنية والألوان دوراً كبيراً في معرض «كنا». كيف توصلت إلى هذه الألية؟بشهادة نقاد كثر قالوا إن استخدامي الألوان كان مميزاً. قبل العمل على اللوحة، أضع طبقات متراكمة من الألوان بين فترة وأخرى من دون أي وسيط من معجون أو غيره، ومصادر ألواني هي جدران الريف المصري الملونة قديماً، لذا نشعر بالبعد الزمني على اللون «المعجون بالوقت»، ما يخدم موضوع اللوحة ويحميه من التزوير. حتى أنا لا أستطيع أن أنسخه. شهد المعرض أيضاً تنوعاً في أحجام اللوحات والميل إلى المساحات الكبيرة مقارنة بمعرضك السابق. ما السبب؟مساحة قاعة العرض الضخمة استوعبت هذه الأحجام، ولكن في المعرض السابق» «بلدي يمتلك نهراً» لم تكن المساحة كافية، ولما كنت درست فن التركيب، وفكرة الخطوط الخارجية، وجدت أن التنوع في المقاسات أمر مهم، إذ يمنح المتلقي راحة نفسية خلال المشاهدة. عملت خلال معرض «بلدي يمتلك نهراً» على سينوغرافيا قاعة «أفق» التي تُعد إحدى القاعات الرسمية المهمة في مصر، وكنت تمنيت العرض فيها، وعندما طلبت ذلك أثنى قطاع الفنون التشكيلية على تجربتي الفنية. من ثم، حاولت أن تلائم أعمالي قيمة هذه القاعة فقدَّمت نقلة فيها، أعمل عليها منذ فترة طويلة، وهي تصوير مصري خالص على أساس دراستي تاريخ الفن الذي قدمت فيه بحوثاً مهمة.
المرأة والنيل
تتجلّى المرأة بصور متعددة في المعرض. هل منحتها دور البطولة من منطلق عطائها الموازي للنهر؟المرأة بطلة كوني أتحدث عن الريف، وهي فيه كيان مختلف، وهو ما رأيته لدى والدتي وشقيقتي وكثيرات، ومن هنا أعطيتها حقها بالكامل وقدّمتها كأحد أعمدة الريف المصري والحياة التي قامت على الزراعة في مصر. كذلك يمكن الإجابة عن هذا السؤال من ناحية أخرى، فعندما رشحت للمشاركة في بينالي البندقية، قدّمت مشروعاً في الجناح المصري عن المرأة، متناولاً الأسطورة القديمة «المرأة والبقرة والأشهر القمرية»، وهي عبارة عن 14 درجة سلالم رسُم عليها مفتاح الحياة، تجسد الصراع بين آلهة الخير وآلهة الظلام. المرأة في المعرض موازية للنهر لأنه شريان الحياة والخصوبة، والمرأة عموماً هي خصوبة الريف.ماذا عن انعكاس البيئة في معرضيك «كنا» و»بلدي يمتلك نهراً»؟لن أتنازل عن الدفاع عن هذا الكيان. كوني ريفياً أشعر بأن هذا معين لا ينضب من الرؤى والفكر. كلما أنظر إلى الريف قديماً وحديثاً أرى أن لدي ثروة غير عادية من مفاهيم التشكيل البصري، وأية زاوية من زوايا الريف أعمل من خلالها منتجاً بصرياً. ريف مصر تحديداً يشبه بعضه بعضاً، ما عدا اختلافات بسيطة. عموماً، للبئية دور واضح في أعمالي.الذات الإبداعية لدى الفنان، هل تصوغها المدرسة التي ينتمي إليها؟محظوظ بانتمائي إلى جيل درس تاريخ الفن بمدارسه واتجاهاته كافة. أنا من الجيل الذي قام بدراسة مستفيضة للمدارس والاتجاهات كافة، ولكن ظهور «فن ما بعد الحداثة» اتجاه مفتوح لا يجب أن نطلق عليه مدرسة، لأنه أزال الحواجز التاريخية والفواصل، وقال إن من حق الفنان العودة إلى تاريخ الفن البدائي. شخصياً، رجعت إلى هذا الاتجاه بصدى لذاتي الفنية، التي تمحورت حول مفاهيم ما بعد الحداثة.مدارس تشكيلية
إلى أي حد استفدت في ممارستك التشكيلية من المدارس العالمية، وكيف حافظت على التراث التشكيلي الأصيل لنا كعرب؟يخطئ من ينكر أنه يستفيد من المدارس. كل من درس دراسة أكاديمية ومرّ على مدارس الفن الحديث أو المعاصر، استفاد بشكل أو بآخر من خلال مفهوم تكوين اللوحة، والعمل الفني التقليدي وغير التقليدي، والمضي على المسار العالمي للفن بعيداً عن فكرة التقليد. عموماً، المدارس العالمية مهمة، والفنان عندما يملك الوعي يعرف أين يضع نفسه، من ثم يقدِّم فناً موازياً لبيئته ومحليته وقوميته، وهو ما أدافع عنه كفنان يعيش في مصر لديه مخزون بصري صادق، لذا لا يمكن أن أتركه وأقدِّم ما يخصّ الغرب.كيف تنظر إلى غزارة الإنتاج الواضحة في الفترة الراهنة؟أرى فيها «فلترة» وتمحيصاً وفنانين يثبتون وجودهم بالأداء، وشباباً يقدمون أنفسهم. لست مع «تجييل» الفن، أي القول إن جيلي أفضل من جيلك وما إلى ذلك. أنا كأحد أبناء جيل التسعينيات، لا يجوز لي أن أقول إن جيل السبعينيات لم يقدم إبداعاً، بل يمكن أن أقول إنها كانت فترة حرب. عشت فترة مزدهرة ولكني لم أشعر بأن المقبل ضنك، بدليل أن ثمة جيلاً مقبلاً من النحاتين والمصورين الجدد.لكن رغم العروض الكثيرة نجد المنتج متشابهاً إلى حد ما.اتفق معك. مع ذلك هذا الأمر يخدم المبدعين. التاريخ وسوق الفن ينتقيان المنتج الجيد، ومع الوقت يحدث فصل بين الغث والسمين، فلولا المنتج السيئ لما ظهر المنتج الناجح، لذا ثمة فنانون يمهدون الطريق لأقرانهم من أجل تقديم جملة جديدة.سطور
قدّم الفنان أيمن السمري، وهو أستاذ التصوير في كلية التربية الفنية بجامعة حلوان، معارض فنية عدة من بينها «اللون والزمان» في غاليري «الزمالك للفن»، بالرصاص الحي في قاعة الشهيد أحمد بسيوني، معرض «الرحلة» في قاعة الباب/سليم، و»مشروع القلق» في قاعة «إبداع» وغيرها من معارض. وأخيراً معرض «بلدي يمتلك نهرا» في قاعة أفق، ومعرض «كنُا» في غاليري «ضي».حصل السمري على جوائز عدة، من بينها الجائزة الكبرى من الاتحاد العالمي لنقاد الفن التشكيلي (إيكا) في هولندا، وجائزة أحسن جناح في بينالي دوبروفنيك الدولي بكرواتيا، والجائزة الشرفية في بينالي الإسكندرية الثاني والعشرين لدول البحر المتوسط.