نظام "المكافأة" هو أحد أهم أنظمة العمل في الدماغ الإنساني، إذ يعمل على تحريك الحافز الغريزي لدى الإنسان للقيام بنشاط يضمن بقاءه كالأكل والشرب وممارسة الجنس. والناقل العصبي الأساسي لنظام المكافأة هو "الدوبامين-Dopamine" الذي يَنْشط عند تفعيل نظام المكافأة، معطياً شعوراً بالراحة والسعادة. هذا الشعور قد يكون نابعاً من إشباع الغريزة أو ما تظنه أدمغتنا نشاطاً ذا قيمة مهمة لحياة الإنسان. لكن الدماغ يستقبل مواد أخرى تفعّل هذا النشاط دون أي عمل أو جهد مبذول، وعلى رأس هذه المواد تأتي المخدرات، التي تؤثر تأثيراً ملموساً على مركز المكافأة، وبالتالي يتم إفراز كميات غير معتادة من مادة الدوبامين، وهذا ما يشعر الإنسان بالرضا والسعادة، ويدفعه ليدمن تعاطي المخدرات.المأزق القاتل في تعاطي المخدرات يكمن في أن الدماغ حين يستشعر التأثير غير الطبيعي للكميات الزائدة من مادة الدوبامين فإنه يقوم بتخريب المستقبلات العصبية لهذه المادة. وعليه، يرى المتعاطي نفسه مجبوراً لتناول جرعات أكبر من المخدرات، كي يحصل على الشعور المرغوب الذي اعتاد عليه. وهذه هي تحديداً دائرة الموت الجهنمية؛ المتعاطي يزيد الجرعة، والدماغ يقضي على مستقبلات الدوبامين. المتعاطي يرغب بالوصول إلى متعة اعتادها تشعره بالراحة والسعادة، والدماغ يقف حائط صد دون ذلك. معركة مؤلمة بين الإنسان ودماغه، وعادة ما تنتهي بانتصار الدماغ وموت المتعاطي.
وكم يبدو الأمر شائكاً ومخيفاً حين يرتبط التعاطي بشبكات التواصل الاجتماعي!إن أحد مخاطر الحب العلمية تكمن في أن التعود على الحبيب بعلاقة الحب يجعل الدماغ يبرمج الحبيب بوصفه حاجة ضرورية للبقاء، لا يمكن الاستغناء عنها. وعليه، يفعّل نظام المكافأة بإفراز مادة الدوبامين مما يشعر الإنسان بالسعادة والأمان والاكتفاء بوجوده إلى جانب حبيبه. وبالتالي، حين يحصل خلاف وهجر وقطيعة أو موت، يجد الإنسان نفسه مطروداً خارج دائرة السعادة، ولحظتها يستولي عليه الضيق والبؤس والألم واليأس، فمحرك إفراز مادة الدوبامين لم يعد موجوداً، ولا شيء في العالم يعوّض فقدانه! وهذا ما يفسر حالة المجروحين عاطفياً التي قد يصل ببعضهم إلى حد الانتحار.لقد أثبتت الدراسات العلمية أن الدماغ يفرز مادة الدوبامين العاملة بنظام المكافأة للأشخاص الذين يتعاطون شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك بعد أن خَبِرَ إحساسهم بالسعادة نتيجة قيامهم بهذا النشاط. وإذا كانت الحكومات تمنع المخدرات نتيجة أثرها المدمّر على الإنسان، فإن شبكات التواصل الاجتماعي مباحة، وبالتالي صار الدماغ الإنساني يتعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي بوصفها مخدراً للإنسان، فيقوم بتخريب مستقبلات شبكات التواصل، مما يدفع الإنسان لمزيد من إدمان هذه الحالة، كي يشعر بالرضا عن نفسه، وهذا يقوده لمزيد من التواجد في دائرة شبكات التواصل الاجتماعي، ليشعر بالسعادة والسرور.إدمان التواجد على شبكات التواصل الاجتماعي مخيف، وببساطة يمكن اختبار ذلك على أي شخص بأن يمنع نفسه عن تلفونه النقال، وربما الكمبيوتر لمدة يوم واحد، وسيرى كيف أنه يشعر بالفراغ، وأنه أعجز من أن يمارس لحظته وهو بعيد عن تلفونه النقال. وهذا علمياً يعني توقف الدماغ عن إفراز مادة الدوبامين التي تشعره بالرضا والسعادة. ويصبح الموضوع مخيفاً ومهولاً، حين نأخذ بيد أبنائنا الصغار إلى الإدمان، وذلك عبر إتاحة الفرصة أمامهم لتجربة السعادة عبر برامج أجهزة التلفون الذكي والكمبيوتر السطحي، أو ما يُعرف بالآي باد.إدمان الطفل والناشئ على استخدام التلفون الذكي صار يدمر حياته، فما عاد أطفالنا لهم علاقة بما يحيط بهم، لأنهم مشغولون طوال وقتهم بالعالم الافتراضي والتواصل مع أحداث وأشخاص وتجارب عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وكم يبدو العقاب مؤلماً وقاسياً على أي ولد أو بنت، حين يحرمهم أولياء أمورهم من استخدام التلفون؟هي السوية البشرية، الدماغ يحاول أن يحمي الإنسان من أي مخدر يحرك نظام المكافأة دون جهد أو نشاط، وكم يبدو الأمر مذهلاً حين التأمل في السبب الذي جعل الدماغ يعتبر وسائل التواصل الاجتماعي مخدرات مضرة بالإنسان.ملاحظة: لكم التبريكات بمناسبة شهر رمضان، عساه شهر خير، وعساه شهر عبادة يبعدنا ولو قليلاً عن مخدرات شبكات التواصل الاجتماعي.
توابل - ثقافات
تعاطي شبكات التواصل الاجتماعي
31-05-2017