زيارة في اللحظة المناسبة!

نشر في 31-05-2017
آخر تحديث 31-05-2017 | 00:19
 صالح القلاب زيارة ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان التي قام بها، أمس، لموسكو، من الأهمية بمكان، فقد جاءت بعد قمم الرياض، وجاءت بعد عودة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بيوم واحد من زيارته الأخيرة لباريس، وهي جاءت أيضاً بعد مستجدات كثيرة على الأزمة السورية، وبعد تحركات عسكرية إيرانية متعلقة بهذه الأزمة وبالأوضاع "المزعزعة" في الشرق الأوسط كله، وصولاً إلى ليبيا التي تركها معمر القذافي دولة بلا دولة ونظاماً بلا نظام، فتحولت إلى دول وإلى أنظمة مناطقية وقبلية متناحرة.

لا يمكن أن يقوم ولي ولي العهد السعودي بهذه الزيارة، وفي هذا الوقت بالذات بدون ترتيبات مسبقة وبدون تفاهمات ولو على الخطوط العامة للقضايا التي سيجري التفاهم عليها، وإنْ في الحدود الدنيا للانتقال بعد ذلك إلى المسائل الأكثر تعقيداً. وأغلب الظن، بل المؤكد، أن الرئيس فلاديمير بوتين إن هو حصل على ما يطلبه من الأميركيين، وبخاصة في أوكرانيا وبعض دول البلطيق، ويبدو أنه حصل مؤخراً على بعض الوعود في هذا المجال، فإنه لا بد أن يقدم "تنازلات" معقولة بالنسبة للأوضاع المتفاقمة في سورية التي تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم!

إنه غير ممكن أن تبقى روسيا تناطح رياح الأزمة السورية، التي غدت بالنسبة إليها مكلفة عسكرياً وسياسياً، وبالطبع مالياً، وبخاصة أنّ الإدارة الأميركية الجديدة، خلافاً للإدارة السابقة، قد أظهرت تصميماً على عدم القبول بما تركه باراك أوباما في منطقة يعتبرها الجمهوريون منطقة مصالح حيوية للولايات المتحدة الأميركية، وهنا فإن المؤكد أن الرئيس الروسي الذي هناك إجماع على أنه مناور بارع ولاعب سياسي من طراز رفيع قد قرأ كل هذه المستجدات بعيونٍ غير تلك التي قرأ بها تصرفات وأداء وسياسات الإدارة السابقة.

وهكذا، فإن المؤكد أن المملكة العربية السعودية قد تلقت من موسكو، إنْ تلميحاً أو تصريحاً، ما شجعها على أن يقوم ولي ولي العهد بهذه الزيارة التي إن سارت الأمور في الاتجاه الصحيح فإنها ستكون زيارة تاريخية فعلاً وستؤدي إلى تحولات "استراتيجية"، لا بالنسبة للأزمة السورية فقط، ولكن بالنسبة لكل الأمور العالقة في الشرق الأوسط كله. ولعل أسوأ هذه الأمور هو ما تقوم به إيران من إشكالات ومشاكل في سورية وفي العراق وفي اليمن وفي لبنان، وفي الوضع الفلسطيني، إذ تشير المعلومات إلى أن حركة "حماس" قد حسمت أمورها نهائياً وأصبحت أحد الأرقام الرئيسية في معادلة المنظومة الإيرانية العسكرية والسياسية... وكل شيء.

إن المعروف أن السياسة هي "فن الممكن"، ويقينٌ أن الرئيس فلاديمير بوتين، الذي عايش وعاش كل التقلبات التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي، إنْ في بلاده وإنْ في أوروبا الشرقية والدول المتاخمة والمجاورة كلها ومن بينها الدول الشرق أوسطية، يعرف أن إضاعة لحظة تاريخية سانحة ستترتب عليها خسائر "استراتيجية" كثيرة، ولذلك فإن الواضح أنه لن يفوت هذه الفرصة الجديدة، وبخاصة أن الرهان على نظام بشار الأسد قد أصبح رهاناً على حصان خاسر، وأن استمرار الارتباط بالإيرانيين بهذه الطريقة المكلفة ستكون عواقبه وخيمة، وبخاصة أنّ الرئيس دونالد ترامب قد أعاد الولايات المتحدة إلى هذه المنطقة من الأبواب الواسعة العريضة.

back to top