الأغلبية الصامتة: المطحنة
ما حصل ويحصل على الشاشة الكبيرة هذه الأيام يفوق الخيال، عملية إنتاجية تجارية متكاملة كل ما فيها موظف للربح والتسويق، منفصلة عن المشاهد رغم أنه الأساس، وعن الواقع رغم أنه المنبع، المنتج الرمضاني يقدم لنا نفسه مثل الطعام السريع التحضير، نستعمله على مضض ونمقته في الوقت نفسه.
فلان يدخل الديوان، يلقي السلام ويكثر من الكلام، يأخذ مكانه وسط الحضور ويبدأ بإطلاق العناوين الساخنة: "لدي قصة ممتعة"، "التفاصيل مشوقة"، من عادوا لمعاقرة شاشات السديم الرقمي، التقطت أسماعهم "ممتعة" و"مشوقة"، فانتبهوا وأنصتوا.فلان بدأ العرض ويداه تبتعدان وتقتربان وفقا لأدائه الاستعراضي، مر من الوقت دقيقة لا أكثر، ثم تقطعت الحكاية وتوزعت على الثواني واللحظات، دخل أولا "الصبي" حاملا صينية الشاي، ذهب ثم عاد بآنية التمر، ذهب ثم عاد مسرعا بدلة القهوة، أحد رواد الديوان انضم إلى الجمع وأصر على أن يسلم على الحضور فردا فردا، حكاية صاحبنا الممتعة والمشوقة تبددت بين الحكايات الجانبية، وانتهت دون أن يسأل عنها أو يتذكرها أحد.
خذوا كل ما سبق وأسقطوه على مسلسلات وبرامج رمضان فستجدون حكاية الديوان تتكرر وبطغيان أكبر، شخص يزعم أن لديه حكاية ممتعة ومشوقة تتقطع وتتفتت بسبب طوفان لا ينتهي من الإعلانات، وبالأخير ينتهي اليوم ولا أحد يعلم ماذا شاهد؟ وكيف أضاع يومه؟ما حصل ويحصل يفوق الخيال، عملية إنتاجية تجارية متكاملة كل ما فيها موظف للربح والتسويق، منفصلة عن المشاهد رغم أنه الأساس، وعن الواقع رغم أنه المنبع، المنتج الرمضاني يقدم لنا نفسه مثل الطعام السريع التحضير، نستعمله على مضض ونمقته في الوقت نفسه، يقابل تلك العملية جمهور انسحب من العالم الحقيقي وهرب إلى عالم الواقع الافتراضي، والمضحك أنه يريد كل شيء ظاهرا على شاشة الهاتف، حتى لو كان البرنامج نفسه أو المباراة تعرض على الشاشة الكبيرة فإنه يفضل "التضييق" على نفسه، ومشاهدة مقاطع محددة من مسلسل ما لتنتهي الحكاية.عن نفسي بدأت بنفسي فابتعدت عن عالم "المطحنة" الدرامية وتركته لمحبيه، وقلصت أوقات المشاهدة إلى الحد الأدنى، مع تطبيق قاعدة دع الجيد يفرض نفسه، وهي عندي إما تاريخي أو فكاهي، فإن صمد حتى نهاية الأسبوع الأول بحثت عنه وتابعته من البداية، في الختام قد نختلف بخصوص جودة المعروض لكنني أشك في وجود من يخالفني بأن ما يحصل في عالم "المطحنة" الدرامية بات أمرا مزعجا ومنفراً.