باتفاق منتجي النفط في منظمة أوبك وخارجها، الأسبوع الماضي، على تمديد خفض إنتاج الخام 9 أشهر إضافية، حتى نهاية مارس 2018، سيمتد عمر الاتفاق على أقل تقدير 15 شهراً، في سبيل تحقيق التوازن في سوق النفط الذي يعاني منذ نحو 3 سنوات فائضاً في المعروض يتزامن مع تراجع مستويات النمو العالمي، لاسيما في آسيا.

لا شك في أن تمديد الاتفاق النفطي لخفض ما يوازي 1.8 مليون برميل يومياً من الإنتاج العالمي، مع الحديث عن امكانية تعميق الخفض لمواجهة الفائض المعروض، يمثل تغيراً في عقلية صناع سوق النفط في «أوبك» تحديداً، قبل الحديث عن خارجها, ففي فبراير 2016 لم يستطع المجتمعون الكبار في السوق الاتفاق إلا على تثبيت الإنتاج عند مستويات يناير 2016 المتضخمة، بالمقارنة مع الطلب في السوق، لكن المنتجين اليوم، لاسيما الخليجيون، باتوا أكثر رغبة في الامتثال للسوق وقواعده، خاصة أن الانخفاض الطويل في اسعار النفط يؤثر سلبا على ميزانياتهم وإنفاقهم، ويخلق آثاراً اجتماعية وربما سياسية غير محمودة في هذه الدول.

Ad

تحدي الأسعار

بيد أن خفض الإنتاج هو الملف الأقل تحدياً في سوق النفط، فهناك ملفات متعددة ومعقدة، فلم تعد الأوضاع في سوق النفط تعني أن خفض الانتاج سينعكس بالضرورة على ارتفاع الأسعار، فعلى المدى القصير عبرت أسواق النفط عن استيائها من قصر الاتفاق على التمديد دون تعميق الخفض، من حيث الكمية، فتراجعت الأسعار لبرميل برنت وخام نايمكس في يوم واحد بحدود 4 في المئة، أما على المدى المتوسط فتشير التقديرات وآخرها الصادرة، أمس الأول، من بنك «جولدمان ساكس»، إذ خفض توقعاته لأسعار النفط خلال العام الحالي، في أول رد فعل له عقب قرار المنتجين تمديد العمل باتفاق «أوبك».

متابعة الالتزام

وتلعب دول الخليج النفطية (الكويت، السعودية، والإمارات) دوراً رئيسياً في متابعة ملف التزام الدول الأعضاء في التقيد بالحصص السوقية الجديدة، التي كانت ممتازة خلال الأشهر الأربعة الأولى، حسب آخر بيانات لأبريل الماضي، بنسبة 100 في المئة لدول أوبك و60 في المئة للمنتجين الخارجيين، غير أن تمديد الاتفاق يحتاج إلى جهد أكبر، خاصة ان دول الخليج تغطي جانبا من فجوات ضعف التزام بعض الأعضاء، على حساب حصصها السوقية، وبالتالي من المحتمل ألا تستمر طويلا في لعب دور التغطية في المستقبل.

تراجع عن «الصخري»

بعد أن كانت اوبك تقلل من قيمة انتاج النفط الصخري وأدواره التسويقية، بل واحتلاله حصة تصل الى 8 في المئة من حجم السوق، باتت اليوم تتحدث على لسان أهم مندوبيها وزير الطاقة السعودي خالد الفالح عن «أهمية التعايش مع النفط الصخري»، مما يعد عدولا عن استراتيجية سابقة لـ«أوبك» كانت تتبنى ضخ أكبر كميات ممكنة من الخام، للتخلص من النفط الصخري الأميركي، عبر تخفيض أسعاره، وبالتالي إفلاس شركاته!

وكذلك تحدث في اجتماع فيينا وزراء نفط الاكوادور وفنزويلا والامارات والجزائر وإيران عن صعوبة مواجهة النفط الصخري، وأهمية التعامل معه باعتباره واقعاً في السوق.

فالأثر السلبي لتراجع أسعار النفط أصاب المنتجين التقليديين في «أوبك» وخارجها، إذ إن شركات النفط الصخري لديها من المرونة ما لا تتمتع به الدول, فالشركات تستطيع أن تضع لنفسها هامشاً محدداً من الأعمال، والعمل على خفض كلفة الاستخراج من 70 إلى نحو 40 دولاراً، إلى جانب قدرتها على التحول السريع في اتجاه إعادة ورفع الإنتاج وتحقيق الأرباح لمساهميها وسهولة التعامل مع خطط تقليص الإنفاق وإلغاء المشاريع، على عكس الدول النفطية، ولاسيما الخليجية منها، التي يرتبط الإنفاق العام فيها بأسعار النفط بنسب توازي 90 في المئة من الميزانية، فضلاً عن صعوبة إقرار مشاريع تقشف.

نمو الحفارات

ولعل ما يشهده سوق الإنتاج النفطي الأميركي منذ عام تقريباً من ناحية نمو عدد الحفارات يدل بدرجة عالية على قوة إنتاج النفط الصخري، مهما تكن درجة التذبذب في الأسعار، إذ بلغ عدد الحفارات العاملة هذا الاسبوع 722 حفارة، مقارنة بـ 316 حفارة للأسبوع المقابل من العام الماضي، وهذا يدل على ان خفض اجتماع فيينا للإنتاج النفطي سيدعم خطط منتجي النفط الصخري، إذ تتزايد فرص الربح كلما كانت الاسعار بحدود الـ 50 دولارا للبرميل، مع العلم أن حقل «برميان»، الذي يشكل وحده ما بين 40 و50 في المئة من انتاج العالم من النفط الصخري، يشهد عمليات إنتاج قوية لرفع اجمالي الإنتاج فوق 5 ملايين برميل يوميا.

«بالع الموسى»

علاقة منتجي النفط من «أوبك» وخارجها، خاصة الخليجيين، مع النفط الصخري كـ«بالع الموسى» الذي لا يستطيع لفظه ولا هضمه (...)، فإن انخفضت الأسعار فستتضرر الشركات الصخرية ويتضرر معها الدول بمقاييس أعلى من مجرد خسارة الشركات أو تقليص الأعمال، وإن ارتفعت الاسعار فسيرتفع انتاج الصخري ليخلق فائضا في السوق الذي يعاني أصلا تباطؤ النمو العالمي.

لا حل إلا باستئصال «الموسى»، وعدم الاعتماد على النفط كأساس للميزانيات، وبالتالي الانكشاف على تقلبات الأسواق والدخول في أزمات، كلما تراجعت الأسعار، فالدول تؤمن مستقبلها من خلال تنوع إيراداتها لتكون أقل عرضة للمخاطر والأزمات.