نخشى أن يحدث يوم مشابه لـ"اثنين ثمانية تسعين"، وهو يوم الغزو العراقي للدولة، حين فتحنا عيوننا في الصباح فلم نجد دولة، كان هناك جنود وآليات عسكرية عراقية منتشرة في كل مكان، وبشر محتارون لا يعرفون أين هم وماذا يجري، كل ما نتذكره من شعارات سياسية مضحكة اختصرت بالذاكرة بعبارة "أزمة عارضة وتعدي" كحكمة رددها المسؤولون ذلك الوقت، أي ان ما كان يجري قبل الغزو من تهديد صدام للكويت هو مجرد أزمة طارئة وقتية. رددوها لتمويه الواقع السياسي أو لعجزهم عن فهمه، رسمياً في ذلك التاريخ، تلاشت الدولة كمؤسسات ونظام يدير الحياة في لحظات سريعة.كم نقلق، إن كنا نعي ونقرأ ونتفاعل مع ما يدور هنا وحولنا، أن يحدث مثلما حدث في "اثنين ثمانية تسعين"، لكن ليس سياسياً بغزو عسكري هذه المرة، بل اقتصادي ومالي، وهنا الفرق، فالعاصفة في هذه الحالة، لم تحدث فجأة، فهناك تنبيهات وتحذيرات، كتابات وتحليلات تنشر وتذاع كل يوم، مضى عليها ما يقارب ثلاث سنوات، ومع ذلك هناك من يتوهم بأن الأمور مازالت بخير، ولا أحد يشتكي حتى الآن، لا يقول سياسيو اليوم "أزمة وتعدي" مثل الأمس، لكنهم يرددون جملة النفي، وبتأكيد واثق مطلق "لن نمس جيوب المواطنين"!
من هم المواطنون الذين لن تمس جيوبهم؟! هل هم الأثرياء التقليديون؟! بالتأكيد لن تمس جيوبهم مباشرة، ولكنهم سيتأثرون وسيمس تراكم ثرواتهم الداخلية بالتبعية، عندما تنخفض القدرات الشرائية لدى أغلبية شعب الموظفين. وهؤلاء الأخيرون مست جيوبهم الآن، ربما، قليلاً ببعض التضخم في سعر السلع، ولكن ستنفض أموال جيوبهم حتماً لآخر فلس، عندما لا يجد أبناؤهم الوظيفة العامة غداً، ولا يكون القطاع الخاص وهو المحدد بالوكالات التجارية في الأغلب قادراً على استيعابهم. ومن جديد يكرر المسؤولون تطمينات بالأزمة العارضة وأن الأمور بخير. كيف يمكن أن نفهم مثل تلك التطمينات الآن، سمو رئيس الحكومة صرح محذراً في بداية أزمة انهيار النفط عن نهاية عصر الرفاه، والآن نجد تصريحاً آخر من سموه عن عدم المساس بالجيب! وماذا يوجد في مثل هذا الاقتصاد الريعي التواكلي غير راتب عام يدس في جيب المواطن، يصرف قبل نهاية الشهر في سوق مركزي، بفرض أن هذا المواطن ليس مشمولاً برعاية كادر خاص، أو وظيفة حكومية عالية أو عنده محسوبيات تتمدد لأصحاب القرار السياسي المحتكر.أزمة وتمر، أم كارثة اقتصادية متمثلة في بابين، هما الباب الأول من الميزانية "بند الرواتب والأجور"، الذي لا يمكن المساس به، فهو الدولة الرسمية، والباب الثاني غير الرسمي الذي يتمدد لكل بقية أبواب الميزانية اسمه باب الفساد الذي يأخذ شكل الرشا والمحسوبيات والوساطات وغياب حكم القانون، وكل أمراض الريع والتخلف.لماذا لا تتملكنا هواجس القلق؟! إذا تلفتنا حولنا وخارج حدودنا الصغيرة، هل نجد ما يبشر بالأمل في العلاقات السياسية بين دولنا الشقيقة، أو أوضاعها الاقتصادية وسياساتها العامة التي تنعكس علينا، أو تفرض علينا نتائجها بكلام أصح، وبالوقت ذاته يحرم الحديث عنها، فالحياد هنا ممنوع، والسكوت ممنوع، والكلام ممنوع، فماذا بقي غير صمت القبور؟!أين يسير الزمن هذه السفينة الصغيرة؟ أمواج عالية وعواصف تلوح بالأفق، هل هناك من يبصر؟
أخر كلام
أين ذاهبون؟
01-06-2017