الصحابة الرواة : أبوهريرة... الراوية الأول حبيب المؤمنين
هو أبوهريرة الدوسي اليماني، وهو من "دوس"، وهي بطن من "الأزد"، وكان يرعى غنماً لأهله، فكانت له هريرة لا تفارقه يلعب بها، فكنوه بها، فاشتهر بكنيته حتى غلبت على اسمه، الذي اختلف فيه أهل العلم، والأشهر أنه: عبدالرحمن، وقيل كان اسمه عبد شمس فغيّره النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى عبدالرحمن.وهو الراوية الأكثر شهرة بين الرواة من الصحابة، وهو الأكثر رواية، قال عنه علماء الأمة: كان حافظاً متثبتاً ذكياً مفتياً، صاحب صيام وقيام، قال عنه الإمام الشافعي رحمه الله: إنه أحفظ من روى الحديث في دهره، وقال هو عن نفسه: ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مني إلا عبدالله بن عمرو بن العاص فإنه كان يعي بقلبه وأعي بقلبي، وكان يكتب وأنا لا أكتب، استأذن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في ذلك فأذن له.وضعه ابن حزم الأندلسي في كتابه: (أسماء الصحابة وما لكل واحد منهم من العدد) رقم واحد في المكثرين من أصحاب الألوف، وذكر له 5374 حديثاً.
كان أبوهريرة في الواقع موسوعة حديثية ضخمة، كان متفرغاً للأخذ عن النبي، فلا يكاد يفارقه، يقول رضي الله عنه عن نفسه صحبت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثلاث سنين لم أكن في سني أحرص على أن أعي الحديث مني فيهن، وفي الصحيح عن الأعرج قال: قال أبوهريرة: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والله الموعد، إني كنت أمرأً مسكيناً أصحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، فحضرت من النبي (صلى الله عليه وسلم) مجلساً فقال: من يبسط رداءه حتى أقضى مقالتي ثم يقبضه إليه فلن ينسى شيئاً سمعه مني، فبسطت بردة عليَّ حتى قضى حديثه ثم قبضتها إليَّ، فوالذي نفسي بيده ما نسيت شيئاً سمعته منه بعد.وكما روى أبوهريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقد روى عن كبار الصحابة وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم، وبلغ عدد من روى عنه كما يقول البخاري: نحو من 800 رجل أو أكثر من أهل العلم من الصحابة والتابعين.وقد أجرى مروان بن الحكم، وكان أميراً للمدينة اختباراً لحفظ أبي هريرة رضي الله عنه، وقد روى الحاكم عن كاتب مروان قال: "إن مروان دعا أبا هريرة، فأقعدني خلف السرير وجعل يسأله، وجعلت أكتب حتى إذا كان عند رأس الحول دعا به فأقعده وراء الحجاب، فجعل يسأله عن ذلك فما زاد ولا نقص، ولا قدم ولا أخّر".وأبوهريرة حبيب المؤمنين، دعا له النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: (اللهم حبّبْ عُبَيْدَك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين)، قال أبوهريرة: فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني.حين حضرته الوفاة، بكى شوقا إلى لقاء ربه، ولما سئل: ما يبكيك؟، قال: من قلة الزاد وشدة المفازة، ثم قال: اللهم إني أحب لقاءك فأحبب لقائي، وتوفي رضي الله عنه بالمدينة سنة (59 هـ)، وكان عمره يناهز (78) سنة، ودفن بالبقيع، وقد كان عبدالله بن عمر يترحم عليه في جنازته ويقول: "كان يحفظ على المسلمين حديث النبي صلى الله عليه وسلم".