تضاربت الأنباء، أمس، بشأن عبور مسلحين من قوات «الحشد الشعبي» العراقية المكون معظمها من فصائل موالية لإيران، الحدود مع سورية، والتوغل بضعة كيلومترات داخل محافظة الحسكة، والانتشار في قريتين حدوديتين سوريتين على عمق 10 كيلومترات كانتا تحت سيطرة «داعش» قبل أن يفر مقاتلوه منهما.

ورغم نفي متحدثين باسم الفصائل الشيعية عبور قواتهم الحدود، نشرت الصفحات شبه الرسمية المؤيدة لـ«الحشد» خبر السيطرة على القريتين السوريتين، وهو ما أوحى بأن العملية قد تكون «جس نبض»، لمعرفة رد فعل واشنطن والقوى الإقليمية على عبور الحدود إلى سورية.

Ad

وانشغل المراقبون طوال الأيام الماضية بمراقبة وصول هذه القوات إلى حدود سورية، متحركة من مناطق غرب الموصل، في خطوة تبدو خرقاً لقواعد عمل عديدة، وبقيت التوقعات الشائعة في العراق تشير إلى أن «الحشد» سيبقى محتفظاً بدور ثانوي في الصحراء غربي نينوى، ولن يقوم بتحركات استفزازية للأكراد والأميركيين، وبدرجة أقل، لرئيس الحكومة حيدر العبادي، ولن يتورط في احتكاكات طائفية، وهكذا كانت الحال طوال ثمانية أشهر من معارك الموصل.

إلا أن حدثين مهمين باتا يحركان الأمور على نحو مختلف في الآونة الأخيرة، فمن جهة توشك القوات الحكومية على حسم معركة الموصل، وهو ما يعني أن «الحشد» يجب أن يسارع الى حجز موطئ قدم ليحصل على دور في رسم المستقبل السياسي لنينوى أكبر المدن السنية.

ومن جهة أخرى، اتفق العبادي أخيراً على إحالة ملف الأمن في الطريق الدولي الرابط بين موانئ الخليج والأنبار عند الحدود السورية الأردنية، إلى شركة أميركية تتولى تأمينه، ومنع أي فصائل مسلحة من التحكم في طرق التجارة، الأمر الذي كرّس عجز «الحشد» عن الوصول إلى حدود سورية من غرب بغداد، وعرقل هدفاً إيرانياً غير خفي بربط طهران وبغداد ودمشق.

ولم يخف هادي العامري القيادي البارز في «الحشد» السيناريو الذي بدأ تنفيذه الآن، فقد صرح لوسائل الإعلام بأن الفصائل تحركت من جنوبي سنجار قرب الموصل نحو الحدود السورية، ووصلت إلى ساتر ترابي فاصل، لكنها حالياً لن تعبر الحدود، بل ستتجه من هذه المنطقة الشمالية جنوباً نحو منطقة القائم على حدود الأنبار مع سورية، في عملية التفاف مكلفة من الشمال إلى الجنوب تحاول تجنب القواعد الأميركية الواقعة بين العاصمة العراقية والحدود وسط البلاد.

ولم يتحرك الحشد بمفرده في تلك المنطقة، بل أنشأ شبكة تحالفات ومصالح مع عشائر عربية تبحث عن الحماية والتسليح، ومع جناح من الطائفة الأيزيدية الموالية تقليدياً للأكراد، ثم اخترق الوضع الكردي بتعزيز تنسيقه مع حزب العمال الكردستاني المناهض لأنقرة وصاحب النفوذ المسلح غرب الموصل.

وتمثل هذه الخطوة تداخلاً غير مسبوق بين الملفين السوري والعراقي، وخاصة أن فصائل شيعية عراقية موالية لإيران تعرضت أخيراً لأول ضربة أميركية من نوعها، وهي تحاول الاقتراب من الحدود العراقية قادمة من جهة دمشق، حيث تقاتل هناك إلى جانب نظام بشار الأسد.

ووضع «الحشد» نفسه الآن بين صحراء ينشط فيها «داعش»، وضواحي نينوى حيث تنتشر قوات البيشمركة، تقابلها في الجانب السوري «قوات سورية الديمقراطية» (قسد)، ويتحتم عليه قطع نحو ٣٠٠ كيلومتر جنوباً ليصل إلى منافذ الأنبار، وهي عملية مكلفة ومحفوفة بالمخاطر.

ورغم توقعات تحاول تأكيد «رمزية» هذه الخطوة، وأنها مجرد «بالون اختبار» أو «فخ لإيران»، فإن مصادر كردية تعتقد أن تحركات الحشد هذه ضاعفت من احتمالات وقوع مواجهة عسكرية متعددة الأطراف لا تحمد عواقبها، وقد «تفسد» فرحة النصر في الموصل!