Ad

ارتبط اسم الفنان القدير محمد جابر، بزمن الفن الجميل، والعصر الذهبي للحركتين الفنية والمسرحية في دولة الكويت، واشتهر في أوج نجوميته بلقب شخصية «العيدروسي»، التي أبدع فيها وتميز بها، فتركت علامة بارزة في مسيرته الفنية، سواء عبر الدراما الإذاعية أو التلفزيونية أو المسرحية، وهي لا تزال عالقة في ذاكرة الأجيال المتعاقبة منذ ستينيات القرن الماضي إلى اليوم.

تفجرت موهبته منذ نعومة أظفاره، من خلال المسرح المدرسي، ضمن نشاط مدرسة المثنى الابتدائية، مع الرائدين المسرحيين المربي الفاضل عقاب الخطيب (ناظر المدرسة) ومحمد النشمي (وكيل المدرسة)، كما تتلمذ على يد الرائد المسرحي المصري زكي طليمات أثناء تأسيس فرقة المسرح العربي في الكويت عام 1961.

وفي الحلقة الثالثة يروي لنا «أبو خالد»، عن أعماله مع فرقة المسرح العربي في المرحلة الأولى مع عميد المسرح العربي زكي طليمات، ثم بداية المرحلة الثانية عندما ترك طليمات الفرقة، إذ أسس معهد الدراسات المسرحية، وتحولت الفرقة إلى مسرح أهلي على بند جمعية نفع عام تابعة لوزراة الشؤون الاجتماعية والعمل، بموازنة تبلغ 3 آلاف دينار، وتشكل مجلس إدارة جديد للمسرح بدعم من الرائد الشامل حمد الرجيب.

وكانت باكورة أعمال الفرقة بالصيغة الكويتية الخالصة عبر «عشت وشفت» عام 1964، التي ألفها الفنان القدير سعد الفرج وأخرجها حسين الصالح الدوسري، وشارك فيها محمد جابر في التلقين من خلال «الكمبوشة».

كذلك يتحدث عن كيفية خلق كراكتر «العيدروسي» واختيار هذا الاسم الذي ظهر لأول مرة من خلال مسرحية «اغنم زمانك»، من تأليف الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا وإخراج الراحل حسين الصالح الدوسري، فقد طلب الأخير منه اختيار شخصية محببة له وتغيير طبقة صوته في تأدية دور «الملا أحمد» في المسرحية، فقلد فيها طبقة صوت المطرب عبداللطيف الكويتي، وأطلق عليها «العيدروسي»... وكان لنا معه هذا الحوار:

• ما هي أعمالك في المرحلة الأولى مع المسرح العربي؟

- كما ذكرت لك، لقد كنت في طليعة الأسماء التي حظيت بالمثول بين يدي عميد المسرح العربي الراحل زكي طليمات، حينما تم انتدابه لتأسيس الحركة المسرحية في الكويت، على أسس علمية من خلال فرقة المسرح العربي، وهنا لا بد من الإشارة إلى الدور الكبير للرائد الشامل الراحل حمد الرجيب الذي طلبه لهذه المرحلة التأسيسية، فبعد باكورة أعمالنا «صقر قريش»، شاركت ممثلاً أيضاً في مسرحية «ابن جلا» بدور «الطبيب فرات»، وهي تأليف محمود تيمور وإخراج طليمات، و«مضحك الخليفة» بدور «الغلام»، وهي من تأليف علي أحمد باكثير وإخراج طليمات.

• ماذا بعد تلك المرحلة؟

- في البداية، أي المرحلة الأولى، التزمنا باللغة العربية الفصحى، التي لها جمهورها ومحبوها، وكنا نطعم أعمالنا ببعض المفردات الشعبية، وقد كان طليمات سعيداً بتجاوب الجمهور، ومن ثم حصل الانفصال أو قيام مرحلة جديدة بعد المسرحيات الناطقة باللغة العربية إلى مرحلة الأعمال الناطقة باللهجة العامية، والمسرح العربي أول فرقة أهلية تحت بند جمعية نفع عام تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، لها موازنة تبلغ 3 آلاف دينار.

فكرنا جدياً في تقديم أعمال مسرحية ذات صيغة محلية، خاصة بعدما ترك زكي طليمات الفرقة عام 1964 بسبب عزوف الجمهور الكويتي عن المسرحيات التي تقدم باللغة العربية الفصحى، ليؤسس معهد الدراسات المسرحية، تشكل مجلس إدارة جديد للمسرح بدعم من الرائد الشامل حمد الرجيب، وأصبح مسرحاً أهلياً مدعوماً ويتبع دائرة الشؤون الاجتماعية كجمعية نفع عام، بعدما كان حكومياً بمنزلة مسرح قومي، تكوّن من: حسين الصالح الدوسري السكرتير العام، سعد الفرج المشرف المالي، عبدالحسين عبدالرضا المشرف الفني، وعضوية خالد النفيسي ومقرر المجلس غانم الصالح.

• ما باكورة أعمال المرحلة الثانية؟

-قدمنا أول مسرحية كويتية كاملة من ثلاثة فصول في المسرح العربي، بعنوان «عشت وشفت» تأليف الفنان سعد الفرج وإخراج الراحل حسين الصالح الدوسري، عرضت على خشبة مسرح كيفان عام 1964 وقد سجّلها تلفزيون الكويت، وكانت أول مسرحية تحقق نجاحاً جماهيرياً وفنياً.

• هل شاركت فيها؟

- أنا لم أشارك ممثلاً في هذه المسرحية، وأيضا عدد من الزملاء الفنانين، ومن بينهم الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا، وذلك لعدم وجود أدوار تصلح لنا، أو استيعاب المسرحية لجميع عناصر الفرقة وقتها، ولكننا كنا فريق عمل، يكمل بعضنا بعضا، فعملت معهم من موقع آخر كملقن في «الكمبوشة»، والمسرحية كانت من بطولة النجوم سعد الفرج وخالد النفيسي وعلي البريكي وعائشة إبراهيم.

شخصية الملا

• ماهي مسرحيتكم التالية؟

- «اغنم زمانك»، عرضت في 3 يوليو 1965، على خشبة مسرح كيفان، وهي من تأليف عبدالحسين عبدالرضا، وإخراج حسين الصالح الدوسري، شارك فيها: عبدالحسين عبدالرضا، جوهر سالم، خالد النفيسي، عائشة إبراهيم، كنعان حمد، جعفر المؤمن، علي البريكي، سعاد عبدالله، غانم الصالح، وجسدت من خلالها شخصية «الملا أحمد».

• هل هي شخصية «العيدروسي»؟

- أجل، لقد طلب مني المخرج أن أقدم شخصية مختلفة عن شخصية الإنسان الاعتيادي، ورحت أفكر في خلق شخصية جديدة، ولأنني أعشق المطرب الراحل عبداللطيف الكويتي، وأحب أسلوبه في الغناء والحديث، فاقتبست منه طريقته في الكلام الحاد، وطبقة صوته، وقدمت تلك الطبقة من خلال شخصية «الملا»، وقدمتها أمام المخرج الذي بدوره أعجب بها كثيراً، وطلب مني ان نطلق اسما على الشخصية، فقلت له «العيدروسي»، وسألني ماذا يعني اسم «العيدروسي»، حينها تذكرت حكاية قديمة، وورويتها له، فقد كانت والدتي -رحمها الله- تذهب الى حفل المالد وجلسات «الزار»، وكنت طفلاً صغيراً أذهب معها، وأسمعهم يؤدون أغنية من الفن القادري تقول: «شي لله يا العيدروسي/ شي لله محيي النفوسي»، ولهذا أخبرته بحكاية اسم العيدروسي، ووافق على الشخصية، وقدمتها على المسرح من خلال «اغنم زمانك»، فعرفت من خلالها وأصبح المخرجون يطلبونها في أعمالهم المسرحية والتلفزيونية.

• هل أنت من ابتكر تلك الشخصية؟

-نعم، أنا ابتكرتها إذ مزجت فيها بين صوت الراحل عبداللطيف الكويتي وطبقة صوته الحادة، وأيضاً شخصيتي، واسم العيدروسي، جاء من ذكريات طفولتي، هذه جغرافية شخصية العيدروسي، وملامحها الشمولية من طبقة صوت، وأسلوب حركة، وأداء.

• كيف استقبلها جمهور المسرحية؟

- إنه أمر لا يصدق، استحسان كبير، وتفاعل على المسرح، وازدحم الجمهور على المسرحية، وتفاعل مع شخصية «العيدروسي»، وكان الجمهور ينتظر دخولي وكل جملة كنت أقولها، تحدث ردة فعل بين الجمهور وضحكا، وكان عبدالحسين عبدالرضا يفرش ويمهد، وكنا نمهد لبعض، ونحن فريق واحد، نكمل بعضنا بعضاً، من دون حساسية، وبروح فنية تحمل التعاون والعمل المشترك، من أجل إنجاح المسرحية، والعمل على استقطاب الجمهور الى صالات العرض.

فكان الجميع يفرش الطريق، كل منا للآخر، ولا يمكن وصف العمل مع الفنان عبدالحسين عبدالرضا، إنه نموذج حقيقي للفنان الذي يمهد الطريق لزملائه ومجموعته الفنية، يريد أن يجعل الجميع نجوماً، وهكذا كان تعاون الجميع، في البدايات الأولى للحركة المسرحية في الكويت.

• كيف تفاعل التلفزيون مع هذه الشخصية؟

- كان تفاعلا رائعا، حيث قوبلت شخصية «العيدروسي» بكثير من الاهتمام من قبل الجمهور والمخرجين والكتاب، ووجدوا بها كراكتر جديد ومثير للدهشة.

وبدأ المخرجون في التلفزيون، جميعهم، اعتباراً من حمدي فريد، ومحمد عباس، وعادل صادق، ونزار شرابي، ومحمد شرابي، يطالبونني بالعمل، ودائماً في المسلسلات التي تتكون من 13 حلقة، أي لدورة كاملة، وأيضاً في أعمال يومية، إضافة على المشاركة في جميع البرامج، الكل كان يتحدث عن شخصية «العيدروسي»، سواء في الصحافة أو الإعلام.

وبادر التلفزيون، بالطلب مني تقديم عمل مشترك مع الفنان عبدالحسين عبدالرضا بأفكار ومسلسلات جديدة، وهذا ما ساعد على انتشار «العيدروسي» بشكل مدهش وسريع.

موقف طريف ومفاجئ يبين حسن التصرف

يروي الفنان القدير محمد جابر أحد المواقف الطريفة التي تزامنت مع عروض مسرحية «اغنم زمانك»، في أول مرة تظهر بها شخصية «العيدروسي»، قائلاً: «في إحدى الليالي، كنت لابساً البشت، وأيضاً الدشداشة، وتحتها كنت مرتدياً «الوزار»، وأثناء تحركي، ومن دون أن أعلم، سقط مني «الوزار»، فضجت الصالة بالضحك، كذلك عبدالحسين وسعاد، وحرصت عندما انتهيت ان أحكم لف البشت حولي، وأن أكمل هذا المشهد، بيد أن وصلة الضحك لاتزال متواصلة لأكثر من 30 دقيقة، وعندما شعرنا بتفاعل الجمهور مع المشهد، قمت أنا وعبدالحسين بإضافة بعض الحوارات المرتجلة وسط ضحك الجمهور، شاركناه الضحك على «الوزار» الذي سقط.

وأضاف أنه تصرف لإنقاذ الموقف، وإضافة جو من الضحك وسرعة التصرف قال: «وزاري طاح»، ليكمل المشهد بإيقاع كوميدي مقرب ومحبب للجمهور، وقد أدار ظهره للجمهور ولبس «الوزار»، ومن ثم أكمل مشهد المسرحية.

ظروف التكوين

• مَن مِن الشخصيات الكبيرة لفت انتباهها «العيدروسي»؟

- ثمة لحظة من اللحظات المهمة، ففي إحدى المناسبات، كان هناك لقاء مع وزير الإعلام، ويومها كان سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد - حفظه الله – يمسك بهذه الحقيبة، وسأل الفنان عبدالحسين عبدالرضا، عن شخصية «العيدروسي»، فأسرع عبدالحسين باستدعائي، وكنت موجوداً في الحفل، ويومها تشرفت بلقاء سموه، الذي أبدى إعجابه الكبير بالشخصية وأسلوبها، وأيضاً عفويتها، كما شرحت لسموه ظروف تكوين وابتكار هذه الشخصية.

• ما مدة عروضكم؟ وهل هناك راحة أسبوعية؟

- تمتد عروضنا من 45 يوماً إلى شهرين، ولا توجد راحة أسبوعية، فالجمهور يحضر في كل أيام الأسبوع، وليس كما هو حاصل هذه الأيام أن تعرض المسرحية فقط أيام الخميس والجمعة والسبت، ويتميز مسرح عبدالحسين عبد الرضا بعروضه المتواصلة طيلة الأسبوع عدا السبت كراحة أسبوعية.

«العيدروسي» أوقفتها الإعلام بعد كتاب جمعية الإصلاح

أكد محمد جابر أن شخصية «العيدروسي» لاقت الترحاب من الجمهور بكل فئاته وشرائحه، وكان نجاحها في القمة، إلا أن جمعية الإصلاح الاجتماعي، أرسلت كتاباً تطالبه بإيقاف هذه الشخصية، وتم إرسال الكتاب إلى محمد السنعوسي، وهو في بداية تسلمه منصبه كوكيل مساعد لشؤون التلفزيون، فأصدر قراراً بإيقافه عن العمل في التلفزيون. وقد وجهه إلى جميع المخرجين، ومراقبة النصوص والتمثيليات بمنع تقديم شخصية «العيدروسي» بتاتاً، وبعد هذا القرار لم يدخل محمد جابر التلفزيون فترة طويلة.

وفي أحد الأيام، وبعد فترة من الانقطاع زار محمد جابر وزارة الإعلام، ووقتذاك كان سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد يتولى حقيبة وزارة الإعلام، إضافة إلى «الخارجية»، وصادف خروجه من مبنى الوزارة، فالتقاه وسأله: لماذا أنت غائب؟ وأين شخصية «العيدروسي»؟ فقال له: أطال الله في عمرك، إنني موقوف عن العمل بسبب كتاب الاحتجاج الذي أرسلته جمعية الإصلاح الاجتماعي إلى التلفزيون، والسنعوسي أمر بإيقاف الشخصية، لأن هناك عالماً في اليمن اسمه العيدروسي، ويجب ألا تظهر الشخصية، وأنا لا أعرف تلك الشخصية، سواء كان على صعيد الشكل أو المضمون.

فجاء رد سمو والد الجميع، بأن اليمن في اليمن، ونحن هنا في الكويت، ونحن نحترم جميع الشخصيات ونقدرها، ولا أرى في «العيدروسي» أي تجريح لأي شخصية، محلياً أو عربياً، والجميع يسعد بهذه الشخصية. فطلب من السنعوسي في الوقت ذاته، أن يعاد تقديم شخصية «العيدروسي»، وأن يمارس كل فنان عمله، ولا تتدخل أي جهة في عمل الإعلام.

وعاد محمد جابر لتقديم «العيدروسي»، وإلى نشاطه الفني المعهود، بدعم من والد الجميع.