في قرار أثار صدمة عالمية، رغم أنه كان متوقعاً، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مساء أمس الأول، انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس حول المناخ، معتبراً أن الاتفاق التاريخي الذي وقعت عليه 194 دولة في نهاية عام 2015، لا يصب في مصلحة أميركا، ويعطي أفضلية مالية لدول أخرى عليها.

وفي كلمة ألقاها في حديقة البيت الأبيض، قال ترامب: "اعتباراً من اليوم، ستكف الولايات المتحدة عن تنفيذ مضمون اتفاقية باريس، ولن تلتزم بالقيود المالية والاقتصادية الشديدة التي تفرضها الاتفاقية على بلادنا".

Ad

وشدد الرئيس الأميركي على أن الاتفاقية "لا تصب في مصلحة الولايات المتحدة، وغير عادلة إطلاقا"، لافتاً إلى أن الاتفاقية ليست حازمة بما يكفي مع الصين والهند، ومعرباً عن رغبته في التفاوض بشأن "اتفاقية جديدة" أو معاودة التفاوض في الاتفاقية القائمة.

وقال ترامب في كلمة تخللتها لحظات من الارتباك: "لقد انتخبت لتمثيل سكان بيتسبورغ وليس باريس"، مضيفاً: "حان الوقت لإعطاء يانغستاون واوهايو وديترويت وميشيغن وبيتسبرغ، وهي من افضل الأماكن في هذا البلد، أولوية على باريس وفرنسا".

وأكد ترامب المتشكك في نظرية الاحتباس الحراري، والذي أبدى قبل وبعد وصوله الى السلطة رغبة في اعطاء زخم للطاقات الاحفورية مثل الفحم والنفط والغاز تحت شعار الدفاع عن الوظائف، أن اتفاقية باريس "لن يكون لها تأثير كبير" على المناخ، مؤكدا أنه يرفض "اي شيء يمكن أن يقف في طريقنا" لإنهاض الاقتصاد الأميركي.

وقال البيت الأبيض في بيان إن ترامب تحدث هاتفيا الى نظرائه في كندا والمملكة المتحدة والمانيا وفرنسا "لتفسير قراره شخصيا"، وأنه أشار إلى "سجل الولايات المتحدة القوي في خفض الانبعاثات وقيادة تطوير تكنولوجيا الطاقة النظيفة، وأكد مجدداً أن الولايات المتحدة تحت إدارته ستكون اكثر الدول صداقة للبيئة على الأرض".

ويهدف الاتفاق غير الملزم، الذي وقع في العاصمة الفرنسية تحت اشراف الأمم المتحدة، الى احتواء ارتفاع متوسط حرارة الأرض دون درجتين مئويتين مقارنة بفترة ما قبل الحقبة الصناعية عبر خفض انبعاثات الغاز ذات مفعول الدفيئة.

والانسحاب الأميركي سيشكل تفككا فعليا بعد 18 شهراً على هذا الاتفاقي التاريخي، الذي كانت بكين وواشنطن في ظل رئاسة باراك اوباما، أبرز مهندسيه.

وتعتبر الولايات المتحدة ثاني مصدر لانبعاثات غازات الدفيئة في العالم، بعد الصين. وهدف الولايات المتحدة كما حددته إدارة اوباما السابقة خفض انبعاثات غاز الدفيئة بنسبة 26 الى 28 في المئة بحلول عام 2025 مقارنة بـ2005، لكن إدارة ترامب نددت عدة مرات بهذه الأهداف على انها عالية جدا.

الأمم المتحدة

وفور إعلان القرار، توالت ردود الفعل الدولية المنددة بقرار ترامب. وحذر الأمين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس من أن قرار الولايات المتحدة يشكل خيبة أمل كبيرة للجهود العالمية الرامية الى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة وتعزيز الامن العالمي.

أوروبا ترفض التفاوض

وجاء رد الأوروبيين سريعا وقاطعا، فأصدرت برلين وباريس وروما بيانا مشترك أبدت فيه "أسفها" للقرار الأميركي، مؤكدة أنه لا يمكن في أي من الأحوال معاودة التفاوض حول الاتفاقية.

وقال زعماء الدول الثلاث في بيان مشترك نادر: "نرى أن الزخم الذي تولد في باريس في ديسمبر 2015 لا رجعة فيه، ونعتقد بشكل قاطع أن اتفاقية باريس لا يمكن التفاوض بشأنها مجددا، لكونها وثيقة حيوية لصالح كوكبنا ومجتمعاتنا واقتصاداتنا".

ميركل وماكرون

وأسفت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل للقرار، داعية الى مواصلة "السياسة المناخية التي تحفظ ارضنا"، رافضة إعادة التفاوض.

ورأى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن ترامب ارتكب "خطأ بحق الولايات المتحدة، وخطأ بحق كوكبنا في آن"، داعيا العلماء والمهندسين ورجال الأعمال الأميركيين إلى القدوم إلى فرنسا للعمل على "حلول عملية" من أجل المناخ.

وإذ انتقل ماكرون إلى الكلام بالإنكليزية متبنياً موقفاً هجومياً، شدد على المسؤولية المشتركة لجميع البلدان، رافعا شعار "لنجعل كوكبا عظيما من جديد" في اقتباس لشعار حملة ترامب الانتخابية "لنجعل أميركا عظيمة من جديد".

وأكد المفوض الاوروبي للتحرك حول المناخ ميغيل ارياس كانيتي ان العالم "يمكنه ان يواصل التعويل على اوروبا" لقيادة التصدي للاحتباس الحراري.

الصين

وأكد رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ، أمس الأول، في برلين التزام بلاده بالاتفاقية. وأعلن مسؤول أوروبي لم يكشف اسمه ان الاتحاد الأوروبي والصين يعتزمان التأكيد مجددا خلال قمة مشتركة تعقد في بروكسل في نهاية الاسبوع، على دعمهما لهذا النص.

وفي الداخل، باشرت عشرات المدن والولايات الأميركية الممتدة من نيويورك إلى كاليفورنيا على الفور بتنظيم المقاومة ضد هذا القرار، واعدة بأن أميركا ستواصل التقدم في اتجاه اقتصاد مراع للبيئة ولو على المستوى المحلي.

وذكر الرئيس السابق باراك اوباما في بيان ان الاتفاق لم يكن ليبصر النور في 2015 إلا بفضل "القيادة الأميركية على الساحة العالمية".

وقال أوباما في بيانه "اعتبر ان على الولايات المتحدة ان تكون في الطليعة. لكن حتى في غياب القيادة الأميركية، حتى لو انضمت هذه الادارة الى حفنة صغيرة من الدول التي ترفض المستقبل. انا واثق بأن دولنا ومدننا وشركاتنا ستكون على قدر المسؤولية، وستبذل مزيدا من الجهد لحماية كوكبنا من اجل الاجيال المقبلة".

وكان عالم الأعمال الأميركي أبدى بغالبيته تأييده للبقاء ضمن الاتفاقية. وحثت عدة مجموعات كبرى بينها "اكسون موبيل" النفطية وعملاق المواد الكيميائية الزراعية "دوبون" او حتى غوغل وانتل ومايكروسوفت، الرئيس الأميركي على عدم الانسحاب.

وبعد القرار، قال رئيس مجلس إدارة "جنرال إلكتريك" جيف إيملت، إن القرار شكل "خيبة أمل"، مؤكداً أن "التغير المناخي واقع. وعلى الصناعة أن تعطي المثل وألا تعول على الحكومة".

وسارع رئيس مجلس إدارة شركة "تسلا" لسيارات الكهربائية إيلون ماسك المدافع بشدة عن مصادر الطاقة المتجددة، إلى إعلان قراره الخروج من مختلف مجالس أرباب العمل التي تقدم النصح لترامب. وحذا حذوه رئيس مجلس إدارة "ديزني" بوب إيغر.

ورأى رئيس مجلس إدارة مصرف "غولدمان ساكس" للأعمال لويد برانفين أن الانسحاب "انتكاسة" للبيئة و"لقيادة الولايات المتحدة في العالم".

بيتسبرغ ملتزمة بالاتفاق

قال بيل بيدوتو، عمدة مدينة بيتسبرغ، المدينة التي قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه يمثلها عندما أعلن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس، إن جمهور الناخبين في تلك المدينة لا يؤيدون تلك الخطوة.

وأضاف: "حقيقة، حصلت هيلاري كلينتون على 80 في المئة من الأصوات في بيتسبرغ"، متابعا: "بصفتي عمدة لبيتسبرغ، أؤكد لكم أننا سنتبع الخطوط العريضة لاتفاق باريس، من أجل شعبنا واقتصادنا ومستقبلنا".

وكان ترامب قال في إعلانه إنه يمثل بيتسبرغ، وليس باريس.