هو أبيّ بن كعب وكنيته أبوالمنذر كناه بها النبي (صلى الله عليه وسلم)، أسلم فيمن أسلم من الأنصار مبكراً، وكان قبل الإسلام مطلعاً على الكتب القديمة ويكتب ويقرأ، فكان أول من كتب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد هجرته إلى المدينة.

هذا الصحابي النحيف الربعة صاحب الرأس واللحية البيضاء كان له مع القرآن شأن عظيم، فكان من كتبة الوحي وجمع القرآن الكريم في حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) وعرضه عليه، وحفظ عنه علماً مباركاً، وكان كما وصفوه رأساً في العلم والعمل، وشارك في جمع القرآن على عهدي أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

Ad

ولن يطاوله أحد في الشرف والرفعة حين يذكره الله في الملأ الأعلى ويأمر نبيه- صلى الله عليه وسلم- بأن يقرأ عليه سورة البينة، ولن تجد له وصفاً أرفع مما وصفه به نبي الله، إذ يقول (صلى الله عليه وسلم): "أقرأ أمتي أبيّ"، ولن تعثر على كلمات احترام وتوقير في حقه أكثر مما جاء على لسان فاروق الأمة الخليفة عمر بن الخطاب، فقال رضي الله عنه: سيد المسلمين أبيّ بن كعب، ولذا كان طبيعياً أن يصفه صاحب كتاب "طبقات القراء" بأنه سيد القراء بالاستحقاق، وأقرأ هذه الأمة على الإطلاق.

ويروى أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى بالناس فترك آية، فقال: أيكم أخذ عليَّ شيئاً من قراءتي؟، فقال أبيّ: أنا يا رسول الله، تركت آية كذا وكذا، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم: "قد علمت إن كان أحد أخذها عليَّ فإنك أنت هو".

لم يكن النبي- صلى الله عليه وسلم- يثق بحفظ أبيّ بن كعب فقط، ولكنه كان يهنئه أيضا على حسن فهمه وتفقهه في آيات الله، وقد سأله النبي- صلى الله عليه وسلم- ذات مرة، فقال: يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟، فأجاب أبي: الله ورسوله أعلم، فأعاد النبي السؤال، فقال أُبيّ: "اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَي الْقَيومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لهُ مَا فِي السمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ منْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيهُ السمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِي الْعَظِيمُ" (البقرة: 255)، فضرب النبي صدره بيده، ودعا له بخير، وقال: "ليَهْنِكَ العلم أبا المنذر".

وكان له في رواية حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) باع أيضاً فروى رضي الله عنه عن رسول الله، وله في الكتب الستة (البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة) نيف وستون حديثاً، منها في البخاري ومسلم ثلاثة أحاديث، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بسبعة، وله في "مسند بقي بن مخلد" مئة وأربعة وستون حديثاً، وحدث عنه جمع من الصحابة والتابعين.

وعلى خلاف في وفاته هل كانت في خلافة عمر أم في خلافة عثمان رضي الله عنهما إلا أن يوم رحيله كان يوما مشهوداً، ويصف عُتي السعدي يوم وفاة أبيّ بن كعب، فيقول: قدمتُ المدينة في يوم ريحٍ وغبرةٍ وإذا الناس يموج بعضهم في بعض، فقلت: مالي أرى الناس يموج بعضهم في بعض؟ فقالوا: أما أنت من أهل هذا البلد؟ قلت: لا، قالوا: فإنه قد مات اليوم سيد المسلمين أُبيّ بن كعب.