«إحنا مو كفو ديمقراطية!»

نشر في 04-06-2017
آخر تحديث 04-06-2017 | 00:13
من عطل وصول الشعوب العربية لتكون مثل سنغافورة وماليزيا هي الحكومات لا الشعوب.
 مظفّر عبدالله أول العمود:

العبث الجاري في مسألة سحب الجنسية وإعادتها يسيء إلى قيم المواطنة التي تشكل هذه الوثيقة جزءاً مهماً في تشكيلها.

***

سرني مقطع جريء في مسلسل (سيلفي-3) للفنان ناصر القصبي حول عدم أهلية الشعوب العربية للديمقراطية، أو شعوب الجزيرة العربية- إذا كان يقصدها تحديدا- لأنه حرك فينا مواقف متباينة.

بداية ناصر القصبي ليس طرفا لنحاججه فيما قال، لأنه "مثّل" لنا، فهو كإنسان ربما حمل رأياً شخصياً أكثر تقدمية مما كتبه السيناريست، لكن المقطع الذي مثله رمى حجراً في مياه راكدة، وهو فعل جيد فنيا وفكريا وسياسيا.

أما فكرة "عدم أهليتنا للديمقراطية" فهي فكرة سخيفة تحمل من السفاهة وذهاب العقل الشيء الكثير، حتى لو كانت التجارب الديمقراطية التي جرت في بعض المجتمعات فاشلة، وأوصلت أتباع المذاهب وممثلي القبائل والمتأسلمين، فذاك يعود بالأساس إلى من شرع للعملية السياسية، ووضع قواعد اللعبة بشكل منفرد، وقرر- كما يرى- من لهم الحق في الممارسة السياسية، وهنا نقصد السلطة في تلك البلدان.

الناس هنا ليسوا مسؤولين عن نظام انتخابي سيئ، وتوظيف خدمات الوزارات لمرشحين في البرلمان، وحل برلمانات والانقلاب عليها، وممارسة أبشع السلوك لتحييد فئات وتقريب أخرى من أجل شراء الولاء السياسي.

"لا" كبيرة في وجه من يقولون إن الشعوب العربية ليست مؤهلة للديمقراطية، بل من عبث في حقوق الشعوب وأقصاهم وانتهك حقوقهم هو غير المؤهل للحكم، ففي بنغلادش، والهند، وسريلانكا مثلاً، فئات كبيرة من الشعب فقيرة، وبائسة متخلفة، لكن أنظمتها السياسية الديمقراطية استطاعت عبر سنوات قصيرة تطوير اقتصادها وصناعتها من خلال تداول السلطة بكل احترافية وسلاسة، وهم شعوب مثلنا.

من يؤيد مقولة القصبي "الفنان" إما جاهل وإما مستفيد من الوضع السائد في بلاده، ومثل هذه المقولة هي التي ولّدت مفاهيم مريضة تسود بين الناس، ومنها: يجب القبول بسرقة المال العام مقابل إنجاز الحكومة مشروعاً ما، أو "الله لا يغير علينا"، أو "الحمد لله ماكلين شاربين".

من يعتقد بالنص الذي ردده القصبي ويؤمن به يسيء إلى عشرات الحركات النهضوية والمطلبية التي قادها أحرار ضد فساد الأنظمة وطغيانها في المنطقة العربية منذ عشرينيات القرن الماضي، وصولا إلى حركات الاحتجاج الأخيرة فيما سمي "الربيع العربي".

وإذا كان الكلام قد قُصِد به التجربة الكويتية- ولا أميل لذلك- فمرحبا بالنقد، لكن الرد سهل ويتلخص في عشرات الممارسات السياسية السيئة التي قللت من فرص تفعيل الدستور، كما يجب على مدى ستة عقود، ووقف الفساد، فما الذي يمنع حكومة دولة الكويت مثلا من إغلاق حنفية فساد العلاج في الخارج عن النواب، ومن ثم المواطن المغبون، ويتم بناء مستشفيات عالية الجودة داخل البلد؟! فمن عطل وصول الشعوب العربية لتكون مثل سنغافورة وماليزيا هي الحكومات لا الشعوب.

back to top