«الميزانيات»... بداية الإصلاح!
عاصرت بسبب وظيفتي، كمحرر برلماني، مناقشة الميزانيات العامة للدولة على مدى أكثر من عقدين ونيف من الزمن، وشهدت عدة محاولات من نواب مميزين من أجيال مختلفة من أعضاء مجلس الأمة لتطوير مناقشة الميزانيات، لتكون بشكل فني وبالأرقام، ويتم ربطها بخطط اقتصادية تنموية، وإبعادها عن النمط المعتاد، كحدث سنوي بروتوكولي لإنهاء دور الانعقاد البرلماني وبداية العطلة الصيفية للنواب، لكن دون فائدة.ورغم تعديل موعد بداية الميزانية العامة للدولة منذ ما يقارب عشر سنوات، وجعلها في بداية أبريل، بدلاً من يوليو، لتلافي ضيق الوقت وقرب الموعد السابق مع موسم العطل الصيفية، فإنه لم يتغير شيء، ومازالت الميزانية العامة للدولة تناقش في الشوط الأخير من عمر دور الانعقاد بوتيرة الإنجاز السريع في الوقت الضائع.
وبسبب تأخر إقرار الميزانيات تقوم معظم الجهات الحكومية بالصرف لمدة شهرين أو ثلاثة، وفقاً لميزانياتها السابقة، حتى لو كانت الظروف مختلفة، بسبب اختلاف إيرادات الدولة ومتطلبات الصرف، كما أن مناقشة الميزانيات العامة تتم في المجلس وفقاً لطريقة العرائض والشكاوى من أداء الجهات الحكومية دون مناقشة الأرقام والبيانات المالية وارتباطها بأي خطط تنموية أو إصلاحية يقاس معها نسب الصرف والإنجاز.في معظم الدول الديمقراطية البرلمانية يعد موسم إقرار الميزانية العامة للدولة من أهم مواسم العمل البرلماني، وتلغى معظم مهام النواب الخارجية، ويكون الحضور النيابي مكتملاً، لأن عصب الدول هو اقتصادها القوي، وفي الكويت مازالت قضية وضع الميزانية وإقرارها برلمانياً عملاً بروتوكولياً، ربما لكون الدولة تعتمد على مصدر دخل واحد لا يحتاج إلى الإبداع والتطوير، لكن ربما يكون هذا سبباً لكي نكون أكثر حرصاً على مناقشة ميزانيتنا السنوية وتطوير اقتصادنا، وربطه بخطط تنموية جدية تضمن الأمان لنا ولأجيالنا التالية في المستقبل.لاشك في أن أي خطط للإصلاح المالي والإداري يجب أن تكون مرتبطة بالميزانية العامة للدولة، وكيفية تدبير الإيرادات لها، وكذلك الإنفاق منها، فالتسيب الإداري يمكن كبحه عن طريق ضبط الإنفاق على الرواتب والمكافآت والكوادر، وكذلك مكافحة الفساد المالي عبر مراقبة الإنفاق من الميزانيات، وارتباط ذلك باحتياجات الدولة وخططها التنموية، لذا فإن عملية "سلق" الموازنة العامة للدولة في عدة أيام قبل مغادرة الوزراء والنواب إلى عطلهم الصيفية، هي إهدار لفرص ثمينة للإصلاح في البلد، كما أن استمرار لجنة الميزانيات العامة البرلمانية بإعداد تقاريرها بالشكل التقليدي دون تطوير ومطالبة الحكومة بربط ميزانياتها السنوية بخططها التنموية والإصلاحية هو تقصير كبير من اللجنة بصفة خاصة، ومجلس الأمة بشكل عام.