رئيس جامعة أمستردام الحرة في هولندا الدكتور مرزوق أولاد عبدالله لـ الجريدة.: 900 ألف مسلم في هولندا يتمتعون بالحرية الدينية

«تسامح المجتمع الهولندي مع المسلمين سمح بتوليهم أعلى المناصب»

نشر في 05-06-2017
آخر تحديث 05-06-2017 | 00:02
مرزوق أولاد عبدالله متحدثاً إلى محرر «الجريدة»
مرزوق أولاد عبدالله متحدثاً إلى محرر «الجريدة»
أكد رئيس جامعة أمستردام في هولندا وأستاذ الدراسات الإسلامية فيها، الدكتور مرزوق أولاد عبدالله، أن المسلمين في هولندا البالغ عددهم نحو 900 ألف نسمة يتمتعون بكامل حقوقهم الدينية، على خلاف العديد من الدول الأوروبية، التي تشهد عزوفاً واضحاً للأقلية المسلمة عن المشاركة في الحياة السياسية هناك.
وأضاف الدكتور عبدالله في حوار مع «الجريدة» أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة، أن الإشكاليات الفقهية للأقلية المسلمة في الغرب مازالت تسبب هاجساً لديهم، وكان لها وقع سيئ على تقدمهم اقتصادياً وسياسياً وثقافياً... وإلى نص الحوار:
• حدثنا عن تاريخ وواقع المسلمين في هولندا؟

- تاريخ المسلمين في هولندا ليس ببعيد، فبعد الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) كانت البداية الحقيقية لتوجه عدد من المسلمين إليها بعدما سمحت سياسة الدولة باستقدام العمالة، وفتح الباب أمام المهاجرين لأجل بناء الدولة بعد أن دمرتها الحرب، وكانت أغلب الهجرات من دول شمال إفريقيا، ثم تتابعت باقي الهجرات إليها من شرق آسيا، وتلتها موجة أخرى من هجرات المسلمين إليها في بداية السبعينيات من القرن الماضي، ويبلغ عدد المسلمين اليوم 900 ألف نسمة حسب الإحصاءات الرسمية، واستغل المسلمون الحرية، التي كفلتها الدولة للمقيمين على أراضيها في بناء أول مسجد في العاصمة "أمستردام"، أطلق عليه "المسجد الكبير"، واليوم فيها مئات المساجد.

• هل يعني ذلك أن المسلمين بفضل هذه الحرية استطاعوا الوصول إلى مراكز متقدمة في هولندا؟

- هولندا تعتبر أحد البلدان الأوروبية الرائدة في تمكين المسلمين من أن يحتلوا مواقع سياسية معتبرة ومتقدمة مقارنة مع الدول الغربية الأخرى، كوصول مسلمين إلى عضوية البرلمان الهولندي، كما أنه للمرة الأولى في تاريخ هولندا والغرب عموماً تولت سيدة مسلمة من أصل مغربي خديجة عريب رئاسة مجلس النواب عام 2015، كما يتولى منصب عمدة ثاني أكبر مدينة في هولندا مسلم أيضاً، وهناك أيضاً رؤساء مجالس بلدية ورؤساء أحياء مسلمون، وكذلك تم منح المسلمين حق التصويت وحرية إقامة الشعائر الدينية والمعتقدات حق أصيل لكل فرد.

• إذا كان المسلمون نجحوا في هولندا، فلِمِ لم يستطيعوا النجاح في باقي الدول الأوروبية؟

- تعد مشكلة تمثيل الجالية المسلمة لدى سلطات دول الاتحاد الأوروبي من أهم المعضلات، التي تقوم على مطالبها الحقوقية في التمركز حول خصوصيتها المتميزة، ومحاولات تنظيم المسلمين وتمثيلهم باءت بالفشل في أكثر بلدان أوروبا، وهذا عائد إلى عدة أسباب، منها تفرق الأقلية المسلمة إلى فرق وشيع وألوان وأجناس، وغياب القدرة على التنسيق والتنظيم، من الجيل الأول ومعظم الأجيال اللاحقة، وسيطرة الأنانية وعدم التجرد الخالص لخدمة أهداف الأقلية المسلمة، وعدم الانصهار في بوتقة واحدة، إلى جانب بعض المعوقات المرتبطة بالدولة المضيفة نفسها، وذلك بعدم السماح للمسلمين بتولي مراكز معينة.

• المسلم في الغرب يعاني بعض إشكاليات تطبيق التوجهات الفقهية، فما أهم هذه التحديات؟

- نعم هناك قطاع من المسلمين يقف أمامها حائراً خصوصاً القضايا الفقهية، المرتبطة بأمور الزكاة والضريبة، والمعاملات المالية والمصرفية والعقود ونظام المساعدات الاجتماعية، والعمل مع الأسواق المالية، والبيع والشراء والتملك عن طريق البنك، والتبرعات الخيرية من غير المسلمين، والتكافل الاجتماعي والصدقة لغير المسلمين، وهذه الأمور باتت لسنوات طويلة تشغل المسلمين هناك، لذلك فإن فقه الأقليات المسلمة في الغرب أصبح ضرورة ملحّة لمواجهة هذه الأمور، وباتت الرؤى لهذه القضية ضعيفة ولا تلبي احتياجاتنا الفقهية في هذه الأمور.

• أعداد المسلمين في أوروبا في ازدياد مستمر إلا أن مشاركتهم السياسية لم تعد تذكر فما السبب؟

- معظم المسلمين في الدول الأوروبية والغرب عموماً لا يدخلون في الحركات السياسية، ويعزفون عن المشاركة في الانتخابات بمبررات واهية مختلفة، منها عدم جواز المشاركة السياسية مع غير المسلم وتحريم المشاركة في الانتخابات العامة، وهذه نسبة ليست بالكثيرة، لكنها تحدث الضوضاء وتصيب الناس باليأس من جدوى المشاركة، كما يعللون عدم المشاركة بعدم مساندة المرشحين غير المسلمين لهم، وأحياناً الاستعلاء على المجتمع من منطق عقائدي، بجانب أن أغلب الجاليات المسلمة المتواجدة في الغرب تتنازعها الخلافات العرقية والثقافية والمذهبية، لكن مطلوب من المسلمين في الغرب توحيد جهودهم للمشاركة السياسية، وتجدر الإشارة إلى أن بعض المسلمين في عدد من البلدان الأوروبية أن يتقلدوا فيها مناصب عليا في شتى المجالات مثل فرنسا وهولندا وبلجيكا على سبيل المثال، لذا نقول دائماً إن التقوقع على الذات والانعزال السياسي يؤديان إلى نتائج سلبية للأقليات المسلمة فيضعف صوتها وتصدر القوانين لغير صالحها.

• تترأس جامعة أمستردام الحرة، فهل هي جامعة خاصة تمثل المسلمين فقط وما مدى الاعتراف بها؟

- تعد جامعة أمستردام إحدى الجامعات الحكومية المهمة، لكن السياسة العامة في هولندا سمحت للمسلمين لكثرة عددهم بتأسيس الجامعة الحرة للدراسات الإسلامية وهي فرع من جامعة أمستردام العامة، من أجل تخريج أئمة ودعاة مسلمين تنويريين يتولون أمور الدعوة في المساجد البالغ عددها 500 مسجد متفرقة في أنحاء هولندا، وكان هدف الحكومة الهولندية من تخصيص جامعة للدراسات الإسلامية باعتبارها نموذجاً إيجابياً للتفاعل بين الأديان، وهذه الجامعة لها صدى كبير في أوساط الجاليات المسلمة في أوروبا، حيث يفد إليها عدد كبير من أبناء المسلمين من كل الدول الأوروبية المحيطة.

تأخر فقه الأقليات سبب تراجع المسلمين في الغرب اقتصادياً وسياسياً
back to top