شهر رمضان يقدم لنا فرصة عظيمة وثمينة، على المسلمين اغتنامها واستثمارها على جميع المستويات: الشخصي، والمحلي المجتمعي، والخليجي، والعربي، والإسلامي. أولاً، على المستوى الفردي: بمراجعة الإنسان لنفسه، ووقفته معها، بدءاً بتجديد وتقوية علاقته بربه والإكثار من الطاعات وتلاوة كتاب الله تعالى وبذل الخيرات، مروراً بعلاقته بذاته، ومراجعتها ومحاسبتها، وبالتوبة النصوح وترويض النفس والتجاوز عن الإساءات والسمو بالروح والصبر على المكاره والشكر لله تعالى على نعمه، وانتهاء بتحسين علاقته بالآخرين عبر تقوية الترابط والتواصل وبذل المودة والتسامح ونبذ الكراهية والتعصب، وقد تكلمنا عن هذا الموضوع في المقالة السابقة، ولكن ماذا عن اغتنام رمضان على المستويات الأخرى المجتمعية والخليجية والعربية والإسلامية؟
ثانياً، على المستوى المجتمعي: يمكن للمجتمع اغتنام شهر رمضان لإجراء المراجعة الشاملة للأوضاع المجتمعية، وذلك بتفعيل قاعدة الحوار الوطني بين كل مكونات وأطياف المجتمع وصولاً إلى إخضاع كل المنظومات المجتمعية إلى عمليتي المراجعة والتقويم، لبيان مواطن الخلل وتصحيحها، مصداقاً لقوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ"، وتهدف هذه المراجعة إلى تعميق المواطنة في مواجهة التحديات الطائفية والمذهبية وتوحيد الصف ونبذ الفرقة والانقسام. إن أبرز عناصر هذه المراجعة تنصب على: 1- الخطاب التربوي، بإعادة النظر في أساليب تربيتنا لأطفالنا، بتحصينهم من أمراض الكراهية مثلما نحصنهم من الأمراض المعدية. 2- الخطاب الإعلامي، كما أن على الإعلام أن ينهض ويتطور ليؤدي دوره المأمول في مواجهة الكراهية والطائفية والفرقة، وينبغي أن يكون هدف الإعلام الحرص على دعم وحدة الصف الخليجي، وتحصين المجتمع الخليجي من عوامل الفرقة والانقسام والفتن السياسية، ولم الشمل العربي، ووحدة المسلمين. 3- الخطاب الديني، كما أننا في حاجة إلى خطاب ديني جديد، متصالح مع العصر ومنفتح على الآخر، يحتضن الإنسان لأنه مخلوق مكرم من خالقه. نريد خطاباً دينياً مستنيراً يساهم في نهضة دولنا ويحمي شبابنا من الفكر المتطرف والطائفية والمذهبية. 4- الخطاب التعليمي، نريد من التعليم أن يتطور ليواكب احتياجات المجتمع والدولة وسوق العمل، ويتخلص من القيود التي تشده إلى الماضي على حساب الحاضر والمستقبل، نريد من التعليم أن يحصن عقلية الطالب من مرض الكراهية والتعصب، نريد تعليماً يخرج طالباً مؤهلاً للتعايش مع مجتمعه وعصره والعالم بسلام ووئام، نريد تعليماً يقوم على الرأي والرأي الآخر وحرية المناقشة والفكر لا التلقين والحفظ. 5- الخطاب التشريعي، ينبغي مراجعة الخطاب التشريعي بهدف غرس ثقافة التسامح والمحبة، ونبذ التمييز ضد المرأة والأقليات، وبخاصة حق المواطنة المتزوجة من غير المواطن في نقل جنسيتها إلى أولادها.ثالثاً: على المستوى الخليجي، إن تحصين البيت الخليجي في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية يتطلب تحقيق إصلاحات داخلية، وتطوير سياسات الدفاع المشترك القادرة على تحقيق الردع، وتطوير المنظومة التعاونية إلى صيغة أكثر فاعلية. رابعاً: على المستوى العربي يأتي الشهر الفضيل ومعظم المجتمعات والدول العربية تعاني صراعات وانقسامات، آلاف الأبرياء يسقطون ويهجرون ويعانون عذابات لا تكاد تنتهي، كيف أصبحت خير أمة أخرجت للناس، أمة منكوبة؟! ولماذا تحول الشاب المتدينون إلى قنبلة متفجرة، وديننا دين التسامح ورسولنا عليه الصلاة والسلام بعث رحمة للعالمين؟ ولماذا لم نفلح في تحصين شبابنا من ثقافة الموت؟ ولماذا لم ننجح في تحبيبهم في الحياة والحب والتسامح؟ ما أحوجنا في هذا الشهر الفضيل إلى تعزيز التعاون العربي وتنسيق الجهود العربية في عمل عربي مشترك لمواجهة التحديات والمخاطر التي يواجهها العرب جميعاً، سواء في مواجهة التحدي الإرهابي الذي يهدد الجميع، أو في مواجهة التدخلات الإقليمية التي تضعف الجسد العربي.خامساً: على المستوى الإسلامي، ما أحوجنا في هذه الأيام إلى تكاتف جهودنا لنشر وتعزيز قيم المحبة والتسامح في مجتمعاتنا الإسلامية التي تواجه ظواهر التعصب والكراهية واللدد في الخصام، والغلو في التشفي والانتقام، أتصور أن حاجتنا ملحة إلى أهل الحكمة والاعتدال القادرين على احتواء الخلافات، وتلطيف الأجواء، وإعلاء قيمة العقل، ونبذ العنف، والتوظيف السياسي للطائفية والدين والمذهب. * كاتب قطري
مقالات
كيف نغتنم رمضان؟
05-06-2017