اسمه سلمة بن عمرو بن الأكوع، ينسبه جماعة أهل الحديث إلى جده الأكوع، وكنيته أبو إياس، بابنه، نشأ سلمة شاباً في رعاية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتربى على يديه، وكان شجاعاً مقداماً صاحب مبادأة، وكان شديد الفخر بما خصه به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفعال، فيقول: "أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم، مراراً، ومسح على وجهي مراراً، واستغفر لي مراراً، عدد ما في يدي من الأصابع".

وهو من أصحاب بيعة الرضوان عام الحديبية، وهي البيعة التي دعا إليها النبي الصحابة لما احتبست قريش عثمان رضي الله عنه، حتى شاع بين المسلمين أنه قتل، فلما بلغ خبر تلك الإشاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ ‏"لا نبرح حتى نناجز القوم"،‏ ثم دعا أصحابه إلى البيعة، فثاروا إليه يبايعونه. يقول ابن الأكوع: بايعت النبي، ثم عدلت إلى ظل الشجرة، فلما خف الناس قال: "يابن الأكوع، ألا تبايع؟". قال: قلت قد بايعت يا رسول الله، قال: "وأيضاً". قال: فبايعته الثانية.

Ad

وقصة شجاعته منقطعة النظير مروية في كتب السيرة تحت عنوان "غزوة ذي قرد"، وهي في الحقيقة غزوة ابن الأكوع بامتياز، وفيها أنه رضي الله عنه لحق وحده بالقوات التي أغارت على إبل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فاسترجع الإبل، واستلب في ذلك اليوم من العدو، وهو راجل، ثلاثين بردة وثلاثين درقة، وقتل منهم بالنبل كثيراً، وكانوا كلما هربوا أدركهم، وكلما رجعوا إليه يريدون النيل منه أفلت منهم، كان وحده، يحركه حبه لله ولرسوله، ولم يكن معه غير قوة في البدن وسرعة في العدو، سبقوه فلحقهم، يضربهم بنبله، ويرميهم بالحجارة، إذا اجتمعوا عليه صعد على رأس جبل صغير، وإذا تركوه ومضوا في طريقهم لحق بهم وأوجعهم نبلاً، حتى قتل منهم وعقر بعض خيلهم.

يقول: فما زلت كذلك حتى ما خلق الله من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعير إلا خلفته وراء ظهري، ثم أتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا يتخففون بها، قال: فأتوا مضيقا فأتاهم رجل فجلسوا يتغدون، فجلست على رأس قرن. ولم يبرح مكانه حتى رأى فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر، وعمر وعثمان، وطلحة بن عبيد الله، رضي الله عنهم جميعاً، وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، وحديثه من عوالي صحيح البخاري، وروى عنه جماعة من تابعي أهل المدينة، وهو معدود من فقهاء المدينة المنورة، وقد قيل: كان ابن عباس، وأبو هريرة، وجابر بن عبد الله، ورافع بن خديج، وسلمة بن الأكوع مع أشباه لهم يفتون بالمدينة، ويحدثون منذ أن تُوفي عثمان إلى أن توفوا.

ولما أحس سلمة أن أبواب الفتنة قد فتحت، بعد استشهاد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه رحل إلى الربذة، على بعد أميال من المدينة المنورة، وتزوج بها، وولد له فيها، فاعتزل الفتنة، ولم يزل بالربذة حتى قبل أن يموت بليال حنَّ إلى المدينة فرحل إليها زائرًا، فبقي فيها ليالي حتى مات بها، عن ثمانين عاما، وكان ذلك سنة أربع وسبعين على الصحيح، ودفن رضي الله عنه بالبقيع.