رغم أن تحديد الخواص الميكانيكية والفيزيائية لجميع المواد البلورية المعدنية وغير المعدنية يتم من خلال عدة عوامل، فإن متوسط حجم الحبيبات للمادة يلعب دورا مهما، إن لم يكن الدور الأساسي والمهيمن، في تحديد هذه الخواص.

ومن المعروف أن قوة المواد متعددة البلورات ترتبط مع حجم الحبيبات بعلاقة عكسية، حيث إن المواد تكون أقوى إذا كان متوسط حجم الحبيبات أصغر، وأدى هذا إلى توجيه الاهتمام إلى إنتاج مواد ذات أحجام حبيبات متناهية الصغر.

Ad

المواد والسبائك التجارية المصنعة لأغلب التطبيقات الهندسية تخضع في تصنيعها لمعالجات ميكانيكية وحرارية محددة، لكن هذه المعالجات الاعتيادية محدودة القدرة في إنتاج مواد ذات حبيبات كبيرة نسبيا، وتصل إلى بضعة ميكروميترات كحد أدنى.

وبالتالي، توجه الاهتمام نحو تطوير تقنيات جديدة ومختلفة لتصنيع مواد وسبائك لها حجم حبيبات صغير جدا، ويقل عن واحد ميكروميتر، وقد يصل إلى أقل من 100 نانوميتر.

وتم تطوير نهج أساسي ومتكامل لتصنيع المواد ذات البنية متناهية الصغر، باستخدام عمليات التشويه البلاستيكي الشديد، وهي عمليات تشكيل المعادن التي تفرض إجهادا عاليا جدا على المواد الصلبة من دون إدخال أي تغيير جوهري على الأبعاد الأساسية للقطعة، ما يؤدي إلى إنتاج مواد استثنائية ذات حبيبات أحجامها صغيرة جدا.

وحتى اليوم، تم اقتراح وتطوير العديد من تقنيات التصنيع، باستخدام التشويه البلاستيكي الشديد، ومن أهمها تقنية الضغط في القناة المتساوية ذات الزاوية (Equal Channel Angular Pressing)، وتقنية الالتواء تحت الضغط العالي (High Pressure Torsion)، وهما التقنيتان الأكثر شيوعا والأكثر استخداما.

لتقنية الضغط في القناة المتساوية ذات الزاوية، والتي يُطلق عليها اختصارا «ECAP»، جاذبية خاصة في عمليات معالجة المواد لعدة أسباب، منها إمكانية تطبيقها على عينات كبيرة الحجم نسبيا، ومن مجموعة كبيرة من المواد والسبائك، وكذلك إمكانية الوصول إلى تجانس عالٍ في العينات.

هذه الميزات أدت إلى انتشار الدراسات عن تقنية «ECAP» وتطورها في العقدين الأخيرين. في هذه التقنية تتم معالجة العينة باستخدام قالب مصنوع من الحديد الصلب عالي القوة، ويحتوي على قناة تنحني بزاوية حادة بالقرب من منتصف القالب.

ويتم تشكيل العينة لتناسب أبعاد القناة، ومن ثم يتم استخدام المكبس، للضغط على العينة في داخل القالب.

وبما أن أبعاد العينة لا تتغير بعد مرورها من خلال الزاوية التي في القناة، فإن العينة يمكن إعادة معالجتها أكثر من مرة، وفي كل مرة يتم تعريضها لمزيد من الإجهاد، ما يؤدي إلى تقليل حجم الحبيبات بشكل كبير جدا.

التقنية الأخرى الأكثر شيوعا، هي تقنية الالتواء تحت الضغط العالي، والتي يطلق عليها اختصارا «HPT»، والتي اكتسبت أهميتها الفائقة لعدة أسباب، أهمها القدرة الفائقة على الوصول إلى مواد ذات حبيبات متناهية الصغر تصل إلى بضعة عشرات من النانوميترات، وهو حجم صغير جدا لا تستطيع تقنيات التصنيع الأخرى الوصول له، وكذلك قدرتها الفائقة على معالجة المواد القوية والصلبة بسهولة نسبية، مقارنة بالتقنيات الأخرى.

في هذه التقنية تتم معالجة العينة، والتي تكون على شكل قرص صغير بوضعها بين سندانين ضخمين، وتعريضها لضغط هائل مع التواء متزامن من خلال دوران السندان السفلي، وبالتالي يتم الوصول إلى مواد ذات تركيب متجانس وحبيبات متناهية الصغر، بعد الضغط الهائل والدوران إلى عدد كافٍ من الدورات.

حاليا، تتوافر الكثير من نتائج الأبحاث المقامة في مختبرات كثيرة حول العالم، والتي تثبت الجدوى العامة لهذه التقنيات، والتي أصبح لديها إمكانات ابتكار عالية.

وفقا لذلك، من المعقول أن نتوقع تطورات جديدة مهمة في هذا المجال، وأن نشهد تطبيقات جديدة للمواد ذات البنية متناهية الصغر، والتي يتم تصنيعها باستخدام تقنيات التشويه البلاستيكي الشديد.

* قسم تكنولوجيا هندسة التصنيع - كلية الدراسات التكنولوجية - الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب