Ad

يعتبر الموسيقار القدير غنام سليمان الديكان أحد أعلام الأغنية الكويتية الحديثة، عاشق للتراث الموسيقي الكويتي ومبدع في أعماله، وتاريخه الفني خير شاهد على ذلك، فأعماله التي ارتبطت بغالبية نجوم الأغنية الكويتية، لاتزال خالدة تتوارثها الأجيال.

أدى الديكان دورا مهما في الحركة الموسيقية والغنائية الكويتية والخليجية، خاصة في الأغنية الوطنية النابضة بحس وطني مستلهم من روح الكويت وتاريخها، وهو يعبر من خلال موسيقاه عن أفراحها وآمالها وآلامها، لذا استطاع أن يسمو بالأغنية الكويتية الوطنية ويجدد ألحانه التي شربت أريج الكويت وعطر ترابها الخالد، حتى أصبح أحد أبرز فرسان الأغنية الوطنية.

وفي الحلقة الثانية، يروي لنا الديكان كيفية استثماره للأعمال القديمة التي أصبحت عالقة بذهنه، وابتكار ألحان جديدة، فنتج عن ذلك مجموعة من الأغنيات الجميلة بروح كويتية بعيدة عن السائد في تلك الفترة من أجواء الأسلوب العربي المصري - السوري، فأطلق لحناً غريباً بعنوان «قال أحبك آ ويلاه» للمطرب مصطفى أحمد، حاز إعجاب كثير من الفنانين.

وكشف عن اقتنائه أسطوانات الحجر والنادرة من مخزن محل «بوزيدفون» لصديقه الراحل محمد الصقعبي، والتي اندثرت بعد انتشار شرائط الكاسيت والكاترج، فحصل على الأسطوانة الواحدة بمبلغ مئة فلس، أما ليوسف دوخي فقد باعها بربع دينار.

حاول الديكان أن يصقل موهبته بالدراسة، فانتسب إلى قسم الدراسات الحرة بمعهد الموسيقى العربية في مصر، وحصل على دبلوم الموسيقى عام 1975... وكان لنا معه هذا الحوار.

• هل واصلت تلحين نصوص خالد العياف؟

- عندما انضممت إلى جمعية الفنانين الكويتيين، بناء على طلب العياف، التقيت هناك مجموعة كبيرة من المطربين، فواصلت تلحين نصوصه، منها "يا قلبي انسى" لمصطفى أحمد، وأعمال أخرى لغريد الشاطئ.

• كيف جمعت بعض الفنون الشعبية؟

- في مرحلة مبكرة ومهمة، من البحث عن الفنون الشعبية، واكتب فيها بعض الألحان، وأسجلها، وأستغل معلوماتي في الإيقاعات، وهذا الأسلوب في الألحان الجديدة، ما أعجبني في الموضوع، والبحث الذي كان على 3 مراحل، حيث استفدت في المرحلة الأولى عندما قدمت أعمالي في الإذاعة، حيث استمعت إلى مجموعة كبيرة من إسطوانات حجر، وكان صديقي محمد الصقعبي صاحب بوزيدفون، أذهب معه إلى المحل، ولديهم أسطوانات، وشقيقي الأكبر محمد يستأجر لاعب الإسطوانات "البشتخته"، وكنت أراه يحاول في الوالد والجد الذي كان أكثر ليناً من أبي، حيث يحاول إقناعهما من أجل استئجار هذا الجهاز الذي يسمى أيضاً "غرامافون"، فيعطيه 4 روبيات لجلبها مع الصحون، ويقصد بها الإسطوانات، ومدة الاستئجار 24 ساعة.

• هل اكتسبت خبرة في معرفة أنواع الغرامافون؟

- أجل، لأنني رافقت أخي محمد كثيرا في سوق بيع "البشتخته"، وكانت تعجبني ألوان الأسطوانات. واكتسبت خبرة في معرفة العديد من الأغنيات الشعبية التي كانت لها طريقة مختلفة عن العادية، واكتشفت أنه في الإذاعة لا توجد نفس الإيقاعات الموجودة في الأسطوانات.

• ماذا فعلت لاستثمار مخزونك من التراث؟

- تعرفت إلى الفنان نجم العميري وهو على علم بنوعية كل الإيقاعات ويجيدها، فكيف أستقطبه للعمل معي؟، فهو فنان كبير يحضر ومعه الفنان بدر الجويهل أي تسجيل للفنانين الكبار مثل أحمد باقر وشادي الخليج، فاستطعت إقناعه، وطلبت منه أن يقدم إيقاعا سمعته من إحدى الأسطوانات، وكان ذلك أثناء تسجيل أغنية "قال أحبك" لمصطفى أحمد الذي تعاملت معه في أغنية "يا قلبي انسى"، والأستاذ بدر الجويهل عزف معه بنفس الأسلوب، فجاء جو العمل قريبا من أجواء الستينيات.

• كيف كان الأسلوب المتبع في الألحان؟

- الأسلوب العربي المصري – السوري، والذكي هو من يبحث عن طريقة مختلفة، وكنت حينذاك في بداية الطريق، فألفت لحناً غريباً عن السائد في "قال أحبك آ ويلاه"، من كلمات مبارك الحديبي التي أداها مصطفى أحمد بحنجرته المتميزة وصوته العذب، وحاز العمل إعجاب الكثير من الفنانين.

• هل استمر بحثك عن المزيد من الأسطوانات القديمة؟

- نعم، بحثي متواصل ومستمر، إلى أن وصلت إلى مرحلة انتهاء دور الإسطوانات الحجر تماما، فذهبت إلى محل "بوزيدفون للصديق محمد الصقعبي، رحمه الله، في شارع تونس بمنطقة حولي، مقابل محافظة حولي، وطلبت منه ما يتيسر عنده من تلك الإسطوانات، فقال لي موجودة في المخزن، اذهب وخذ ما تريد، لأنني أريد التخلص منها، قلت له: كم تريد أن أدفع لك ثمنها؟ قال لي الإسطوانة بمئة فلس، لأنه في ذلك الوقت انتشرت أشرطة الكاسيت والكاترج.

• ماذا اخترت من مخزن بوزيدفون"؟

- كانت غايتي أن أحصل على بعض النماذج فقط، لكي أضعها في مكتبتي الخاصة، فاستعنت بنجم العميري وذهبنا إلى المخزن، وبحثت في المكان الذي كان الأكثر استئجاراً، فوضعت يدي على كل ما يتعلق ببيئتنا الجميلة من الأغنيات الكويتية والبحرينية، إضافة إلى بعض الأعمال العراقية الجميلة، من بينها "يا ام العباية" و"حوّل يا غنام"، والأخيرة كان يداعبونني أصدقائي فيها و"يطفروني"، وحصلت على مجموعة من الأعمال النادرة في ذلك الوقت.

• وما حكاية د. يوسف دوخي مع ما عثرت عليه؟

- بعد ما انتهينا من المخزن، حيث كنا متسخين من الغبار، ذهب كل واحد منا إلى منزله، وفي المساء اجتمعنا كعادتنا في ديوانية د. يوسف دوخي، رحمه الله، فمجلسه جميل جداً، وهو رجل متحدث، وله في الفن باع طويل، وحديثنا معه حول التاريخ، وكان الكثير من الفنانين يرتادون ديوانيته، فسمعنا دوخي نتحدث عن موضوع الأسطوانات، فقال لنا أريد أن أرافقكما إلى هناك، خاصة أن الصقعبي أعطاني مفتاح المخزن، فلم يصبر وخرجنا فورا من الديوانية في الليل، إلى الجابرية، وصلنا إلى هناك، فربطت دشداشته ووجه مصباح سيارته إلى المخزن، ودخل معنا فعثر على أسطوانة "صوت السهارى" وهي من كلماته وألحانه، إضافة إلى مجموعة من الأسطوانات، وقال لي: أحسب كم ثمنها، راجعت الصقعبي، قال لي الأسطوانة بربع دينار.

• لماذا حرصت على اقتنائها؟

- لأنني أبحث فيها عن النص أو المعنى، أو الترديدة، أو ما يصلح للغناء الجديد. وفي الوقت نفسه نجد فيها عبق الماضي الأصيل، وقد أستفيد من طريقة الغناء، خاصة أننا نتعامل في وضع الألحان وابتكارها. فبدأت أتعامل بهذا الشكل مع مجموعة من المطربين المشهورين وقتذاك، من بينهم أحمد عبدالكريم، غريد الشاطئ، وعبدالمحسن المهنا في "شكواي".

• هل اكتفيت بما لديك من مخزون موسيقي؟

- بحثت عن الجديد، وتابعت ماذا يفعل أحمد باقر وسعود الراشد وغيرهما، كما أنني نهلت من الثقافة الموسيقية لدى الفنانين والملحنين الكبار من خلال جلساتنا في جمعية الفنانين الكويتيين.

• هل صقلت موهبتك بالدراسة؟

- بعد هذه المرحلة، حاولت أن أصقل موهبتي بالدراسة الأكاديمية في الخارج، لكنني لم أستطع البقاء طويلا في الخارج، لأنني متزوج، إلا إنني انتسبت إلى قسم الدراسات الحرة بمعهد الموسيقى العربية في مصر، وحصلت على دبلوم الموسيقى عام 1975.

• كيف كانت بدايتك مع إلقاء الشعر في التلفزيون؟

- عندما كنت في الإذاعة، التقيت بالشاعر والمخرج التلفزيوني القدير بدر بورسلي، ومن هنا بدأت منحى آخر من مشواري، حينما طلبني في لقاء تلفزيوني، كي ألقي بعض الشعار في برنامج "الليلة عندنا سمرة" وهو من إخراجه، ومن تقديم الإعلامية الكبيرة أمينة الشراح، أطال الله في عمرها، ومنّ عليها بوافر الصحة والعافية، لقد كانت رائعة دمثة الأخلاق، وخضت معهما هذه التجربة الجديدة.

ومن ثم توطدت علاقتي مع بورسلي، وأصبحنا نتعاون في أغنيات الأطفال.

«احنا والأيام»... التعاون الأول مع حسين جاسم

أشار الموسيقار القدير غنام الديكان إلى سعيه نحو التعاون مع أحد ألمع نجوم الأغنية الكويتية في سيتينات القرن الماضي، وهو المطرب الكبير حسين جاسم، حيث بدأ التعاوف بينهما، في عام 1967، وبدأت محاولات إقناعه للتعاون معه بحضور الشاعر القدير مبارك الحديبي. حيث عرضا عليه بعض الأعمال.

ولفت الديكان إلى أن محاولاتهما لم تفشل، فلم يرفض هذا العرض، وتصدى لتأدية مجموعة من الأغنيات، أما العلاقة فقد توطدت أكثر إلى الصداقة.

وأضاف الديكان أنه عمل تحفيظه كلمات الأغنيات في جمعية الفنانين الكويتيين، وكان من بين تلك النصوص التي حفظها حسين جاسم أعمال للشاعر الكبير خالد العياف، منها أغنية "احنا والأيام/ والماضي الأصيل/ والسفر والغوص/ والدرب الطويل".

وأوضح الديكان أنه كان يمتلك في تلك الفترة، فكرة عن الغناء البحري والفنون –الإيقاعات- الشعبية، وكذلك المقامات، فاشتغل على لحن أغنية "احنا والأيام" كباكورة التعاون بينهما، حيث قدم في مطلع لها النهمة، ومطلعا حداديا، و"كوبليها" آخر فيه فن الصوت، وفي النهاية العرضة.

كما غنى حسين جاسم من ألحانه أيضاً "يا معيريس" وهي من كلمات مبارك الحديبي، التي حققت شهرة واسعة.

وواصل الديكان حديثه عن الأغنية، أنه في ذلك الوقت كان إبراهيم اليوسف مديراً للبرامج التلفزيونية، أخرج الأغنية، وهو من أوائل الأعمال الغنائية التي تحظى باهتمام كبير ويصور في التلفزيون، عام 1967، وحققت النجاح لدى المشاهدين، وحينها طلبت إحدى شركات الإسطوانات هذا العمل.

وبيّن الديكان أن مقطع الأغنية معروف وهو: "يا معيريس عين الله تراك/ القمر والنجوم تمشي وراك"، لكن الشاعر المبدع الحديبي قدم فيها إضافاته الجميلة:

"ويتغنى القمر/ والنجوم ترد عليه/ .... تحلى أيام العمر/ تحلى تحلى، والسعادة بين ايديك/ تحلى تحلى/ وتغنى للعروس/ والعروس ترد عليك/ نسمع الطار يترنم ويتكلم/ والطبل قام يتكلم ويترنم"، حيث أضاف للأغنية نفسها، وفي السياق نفسه، بنص جديد وبمعان جميلة، لدرجة أن بعض الناس اعتقدت أنه النص القديم، لكن في الحقيقة تم أخذ الشطر الأول منه فقط.

ثم قدم الديكان والحديبي وجاسم أغنية أخرى من أغنيات الأعراس "الزفة" التي اشتهرت أيضاً، وهي بعنوان "عليك سعيد".

وحظيت تلك الأعمال الشعبية بقبول إيجابي من المتلقين، وكانت تجاربه اللحنية في ذلك الوقت موفقة.