الحجاب هو الزي الذي يحارب في كل مكان، هذا ما تضمنه كتاب صدر حديثاً في القاهرة بعنوان "ما وراء الحرب الأوروبية على الحجاب والنقاب"، ففي المقام الأول كانت الدعوة لتقصي جذور الأزمة المثارة حول الحجاب والنقاب في موقف الثقافة الأوروبية، وبخاصة الثقافة الفرنسية التي وضعت الثورة الفرنسية حجر أساسها، فبينما تزداد أميركا تدينا تزداد أوروبا ابتعاداً عن الدين وتقييداً.

تناول المؤلف الدكتور ممدوح الشيخ بابه الأول بعنوان: "المسلمون واليهود في سلة واحدة"، ويؤكد أن الحرب على الحجاب والنقاب هي إعادة إنتاج لـ"المسألة اليهودية"، ولقرون كان كل منهما في الوجدان الأوروبي "عدوا"، وفي الحروب الصليبية كانت جيوش الصليبيين حيثما مرت تبيد جماعتين: المسلمين واليهود، وبعد زوال الدول الدينية من أوروبا أصبح اليهود عدوا لمعظم التشكيلات القومية الكبرى في أوروبا، أما العداء للإسلام فقد لا يحتاج لمن يؤرخه، ويستعرض المؤلف كذلك تجربة المسلمين واليهود في أفران الغاز النازية!

Ad

"ضد الحجاب أم ضد الدين والتدين؟" سؤال يحاول الفصل الثاني الإجابة عنه، وللإجابة عنه يفرد المؤلف قسماً من الفصل لإشكالية تعريف الدين، ويؤكد ممدوح الشيخ أن أزمة الثقافة الأوروبية مع الدين بدأت في عصر التنوير، حيث كانت بداية "تأسيس معرفي" للمفاهيم الرئيسة الحاكمة للاجتماع الإنساني لا مجرد تغيير في هيكلية السلطة أو الموقف من "السلطة الكنسية".

الفصل الثالث: "الأيديولوجية العلمانية" يناقش تحول العلمانية – بالتحديد في أوروبا – إلى "أصولية"، ويشير في هذا السياق إلى أن بعض علماء الأديان اقترح النظر إلى العَلمانية على أنها دين غير سماوي، والممارسة العَلمانية تتشابه مع بعض الممارسات الدينية وبخاصة في قضية تفصلها مع الشأن السياسي، فمثلاً تستند العَلمانية لمسلمات عن الخير والشرّ وتُعلي خيارات أخلاقية (مثل التأكيد النفعية أو نفيها)، وهذا موقف فلسفي واختيار ثقافي لا تُجلب إليه الأدلة، بل يقبل أو يرفض وليس له دليل عقلي أقوى من الأدلة العقلية على غيره من المعطيات الفلسفية، كما تتضمن العَلمانية مسلّمات حول وظيفة الإنسان في الكون ودوره وحول طريق السعادة الأمثل وحول طريقة العيش الرغيدة...

ويفرد ممدوح الشيخ فصلاً يناقش فيه "الحجاب والنقاب بين علمانيتين"، ففي مقارنة تظهر الفرق الجوهري بين العلمانيتين الفرنسية والألمانية قال ساركوزي: "على من لا يحب الجمهورية الفرنسية الانتقال للعيش في بلد آخر"، ويؤكد المؤلف أن ثمة أبعاداً ملازمة للعلمانية الفرنسية التي لم تكن محايدة إزاء شؤون الدين والمجتمع المدني عامة لأنها كانت من طبيعة جذرية مقاتلة، وذات وجهة معادية للكنيسة الكاثوليكية خاصة وللدين عامة.

وتراهن العلمانية الفرنسية على إخلاء المجال العام من سيطرة الدين وملئه بالقيم الثقافية "الدهرية"، وتعد المدرسة والمؤسسات التعليمية عامة من أهم وسائلها في ذلك، فالمدرسة عند العلمانيين الفرنسيين ليست مجرد فضاء للتعلم بل هو حقل مثالي لإعادة صنع طبيعة ثانية لدى الطفل تقتلعه من المحيط الاجتماعي ويراهن العلمانيون على تغيير بنية المجتمع من خلال أدوات المدرسة، ولذلك تتوجس العلمانية الفرنسية من كل مظاهر التعبير الديني سواء في شكله المؤسسي أو حتى الفردي.

ويخصص المؤلف فصلاً لقضية "البعد الجسدي (الجنسي) في الحرب على الحجاب والنقاب" فوراء الرفض الواضح للحجاب والنقاب أبعاد ثقافية واعية في الفكر الأوروبي تدفع باتجاه الرغبة في "استئصال" الزي الإسلامي لأنه علامة على ما يعتبرونه قهراً للجسد الأنثوي.