مجلس التعاون واحتواء النزاع
لم يستطع جهاز الأمانة العامة أو حتى المجلس الوزاري نزع فتيل الأزمة الأخيرة بين قطر وبعض الدول الشقيقة الأخرى، فعادت الأمور للجهود الدبلوماسية لسمو الأمير، حفظه الله ورعاه، لإعادة نسج خيوط الثوب الخليجي بخيوط أكثر سماكة وتحملا، ونتمنى باسم شعوب الخليج عودة المياه إلى مجاريها.
جسد تأسيس مجلس التعاون الخليجي مشاعر عريقة لشعوب المنطقة، وكرّس قادة الخليج من خلال هذا المجلس المبادرات لتحقيق التعاون والسعي نحو الاندماجية. فقد انطلقت فكرة العمل الجماعي في السبعينيات بعدما كانت تراود سكان المنطقة، ووصلت إلى صيغة جماعية طرحها المغفور له الشيخ جابر الأحمد لرسم استراتيجية تتضمن أمن المنطقة واستقرارها، فطرحت دول الخليج اختلافاتها جانبا لتواجه الطوفان الإقليمي المتمثل في الحرب الدائرة في المنطقة والوطن العربي، المتجسد في انشقاق الصف وانتقال مقر جامعة الدول العربية بين دول الاعتدال ودول المواجهة والتصدي.وتصدرت آنذاك أهداف مجلس التعاون الصحف المحلية والعالمية لما لها من أهمية؛ كتحقيق الأمن والاستقرار، وتعميق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في شتى المجالات، ودفع عجلة التقدم العلمي في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات، ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين في الشؤون الاقتصادية والتجارية والاجتماعية والصحية والإعلامية والتشريعية والإدارية.
وبعد انتهاء الحرب الباردة بدأت الخلافات في العلاقات البينية تطفو، وأخذ تفاعلها مع المزاج العالمي يشتعل، فتجد تعبيرات كمحور الشر تدفع الدول للتكاتف أمام إيران، وتأتي سياسة الاحتواء لتدعو دول الخليج لبناء الثقة. وهنا أتساءل: هل للأمانة العامة وأجهزة مجلس التعاون دور في التفاعل مع عالمنا المتغير واحتواء الخلافات البينية؟ النظام الأساسي للمجلس وضع الأهداف أمام الأعضاء، لكنه لم يضع خريطة الطريق أو الأساليب التنفيذية الواجب اتباعها مثلما تفعل الأنظمة الأخرى بنظمها الأساسية؛ لذلك تأتي تصريحات المسؤولين لتحدد أساليب التنفيذ، وتأتي المبادرات الشخصية لتحتوي الخلافات.وفي ذلك السياق أذكر عام 1982 في قمة المنامة عندما شكر القادة المساعي الحميدة التي قامت بها دولة الكويت والإمارات معا لإنهاء الخلاف بين اليمن الديمقراطية وسلطنة عمان، بعدها ارتكز المجلس على المبادرات الفردية لأصحاب القرار في احتواء الخلافات التي أصبحت في الثوب الخليجي كأزمة سحب السفراء التي انتهت بدبلوماسية سمو الأمير في حفظ خيوط الثوب الخليجي، وآخرها أزمة قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين التي لم يستطع جهاز الأمانة العامة أو حتى المجلس الوزاري نزع فتيلها، وعادت للجهود الدبلوماسية لسمو الأمير، حفظه الله ورعاه، لإعادة نسج خيوط الثوب الخليجي بخيوط أكثر سماكة وتحملا، ونتمنى باسم شعوب الخليج عودة المياه إلى مجاريها.كلمة أخيرة: اندلعت حرائق إعلامية وسط وسائل التواصل الاجتماعي في ظل الأزمة الخليجية أشعلتها أطراف رقصت فرحا، وهي ترى المقاطعة وقد التهمت الحوار والهدوء الخليجي المعروف. علينا، وعلى الأمانة العامة لمجلس التعاون أيضا، الاستثمار في مراكز إعلامية لإطفاء تلك الحرائق ومنعها من التفاقم.