«سجلات المحكمة الشرعية - الحقبة العثمانية - المنهج والمصطلح» بحث شامل في جوانب الحياة

نشر في 08-06-2017
آخر تحديث 08-06-2017 | 00:00
No Image Caption
في كتابه {سجلات المحكمة الشرعية - الحقبة العثمانية - المنهج والمصطلح» الصادر حديثاً عن {المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» (336 صفحة موثقاً ومفهرساً)، يجمع الباحث خالد زيادة أعمالاً أعدّها خلال اشتغاله على وثائق محكمة طرابلس الشرعية في لبنان، والتي يبتدئ تاريخها في عام 1077هـ/ 1666م.
انطلق خالد زيادة في بحثه المستفيض في {الحقبة العثمانية» – المنهج والمصطلح» من أن وثائق المحاكم الشرعية تحتل موقعاً مميزاً بين مجموعات الوثائق التي يمكن أن يستند إليها المشتغلون بالتاريخ في الحقبة العثمانية، كالوثائق القنصلية والتجارية والكنسية وغيرها، مع تميز وثائق المحاكم الشرعية باتساع موضوعاتها لتشمل جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن حفظها ما كان يرد من عاصمة الدولة العثمانية من فرمانات ومراسلات.

خطاب السجلات

يتضمَّن الكتاب ثلاثة أقسام؛ ويضمّ القسم الأول «الصورة التقليدية للمجتمع المديني: قراءة منهجية في سجلات محكمة طرابلس الشرعية في القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر» خمسة فصول.

في الفصل الأول، {مدخل منهجي»، يؤكد زيادة أن الدراسات التي اعتمدت سجلات المحاكم الشرعية ما زالت محدودة العدد والنتائج. في الفصل الثاني، {الكتاب الشرعي والخطاب المرعي»، يتناول المؤلف مسائل النص وحدوده وسلطة الخطاب، معالجاً ذلك من جوانب عدة، منها اللغوي إذ يقول: {يمكننا، من خلال التمييز اللغوي، أن نميز في الخطاب نوعين من السلطة: السلطة التي يتولاها القاضي، والسلطة التي يتولاها الوالي».

في الفصل الثالث، {الدستور المعظَّم: حاكم السياسة»، يقول زيادة إن سلطة الوالي كانت تحدّها سلطة القاضي، وهو من كان يشرف على الجهاز الإداري والشؤون المالية والعسكرية. وكان هذا الجهاز يتكوَّن من غير الأهالي، وإن دخل بعض السكان المحليين في خدمة الوالي.

يركّز المؤلف في الفصل الرابع، {الحاكم الشرعي»، على تفصيل سلطة القاضي من خلال الوثائق الشرعية التي تقدّم فكرة واضحة عن دور هذا القاضي في الرقابة اليومية لحياة المدينة وإشرافه المباشر عليها.

في الفصل الخامس، {المدينة المحمية»، يرسم زيادة فسيفساء المدينة اجتماعياً في العهد العثماني.

«دراسات في الوثائق الشرعية»

يتألف القسم الثاني، «دراسات في الوثائق الشرعية»، من ستة فصول. في الفصل السادس، «سجلات المحاكم الشرعية واقعها ودورها في البحث التاريخي – الاجتماعي»، يرى زيادة أن الاهتمام بالسجلات الشرعية في لبنان برز في بداية ثمانينيات القرن العشرين، من خلال الإصدارات والمؤتمرات. ومع ذلك، لم تكن السجلات الشرعية مجهولة، بل لفت الانتباه إليها المؤرخ أسد رستم منذ عام 1929 باعتبارها مصدراً تاريخياً.

في الفصل السابع، «دور الوثائق في الحفاظ على التراث الحضاري المعماري»، يؤكد زيادة أن هذه الوثائق تساعد الباحثين عن التراث المعماري في إعادة تركيب صورة واقعية لحالة العمران في مرحلة محددة من الزمن، وتسمح لهم بتقدير حالة العمران عموماً، ومع ملاحظة تعاقب الزمن توضح لهم حالة أثر من الآثار والأدوار التي مرّ بها.

«تكوّن العائلات في طرابلس»

يبحث المؤلف في الفصل الثامن، «تكوّن العائلات في طرابلس»، عن شكل المجتمع الأهلي من خلال الوثائق الشرعية، مقدماً عرضاً مفصلاً لنظامي الوقف والأعيان، والألقاب الدينية في المدينة كالمفتي ونقيب الأشراف وشيخ التكيّة، والمدينة كفخر الأهالي وفخر التجار وفخر الأعيان وفخر الملّة المسيحية.

في الفصل التاسع، {التنوع السكاني والانتقال في طرابلس (1666-1686)»، يدرس الباحث سجلات البيع والشراء وانتقال الملكيات في طرابلس، فيستنتج أن المسيحيين لم يتعرضوا لضغط أشد مما تعرض له المسلمون من الإدارة العثمانية، وأن الصفقات بين المسلمين والمسيحيين أكثر من الصفقات بين المسيحيين أنفسهم.

يقول زيادة في الفصل العاشر، {الحارات وتوزُّع السكان المسلمين والمسيحيين في مدينة طرابلس»، إن وثائق المحاكم الشرعية والأرشيف العثماني تقدم معطيات كثيرة بشأن التركيب الاجتماعي والسكاني في المدن والأرياف.

في الفصل الحادي عشر، {الأوروبيون في السجلات الشرعية»، يقول زيادة إن ذكر الأوروبيين في السجلات يرد في قضايا شائعة، كالبيع والوكالة والأوقاف، فضلاً عن قضايا أخرى قليلة نسبياً. وإذ يقدم قضية أنموذجية في هذا الإطار، يستنتج الباحث أن الأوروبيين القاطنين في حارة من حارات طرابلس اعتبروا جزءاً لا يتجزأ من سائر أبنائها، على الأقل من حيث أوضاعهم القانونية، والمشاركة في دفع الضريبة المفروضة على المحلات والتي يتشارك السكان في دفعها. وكان يطلق على الأوروبي أحد لقبين: {مستأمن، الذي يوضح الوضع القانوني للرعايا غير العثمانيين، والإفرنج الذي هو تعبير قديم يعود إلى زمن الحروب الصليبية ويشير إلى الشعوب القاطنة في أوروبا كافة».

المصطلح الوثائقي في المحكمة الشرعية

يضمّ القسم الثالث، «المصطلح الوثائقي في سجلات المحكمة الشرعية»، فصلين. يحمل الفصل الثاني عشر عنوان «الأركيولوجيا الوثائقية»، وفيه يدرس زيادة الوثائق بين التاريخ والسوسيولوجيا، فالمسألة بحسبه لا تدور حول الجانب التوثيقي التقني فحسب، بل حول الجانب الموضوعي أيضاً.

اعتبر أن الباحث يقع في هذه السجلات القديمة على مفردات غريبة عن لغتنا الحاضرة شكلاً ومعنى، وأخرى مستخدمةً في الحاضر لكن مجهولة الأصول، إلى جانب مفردات مفهومة رغم تبدل دلالاتها عبر الزمن.

أما الفصل الثالث عشر والأخير، «المصطلح الوثائقي»، ففيه ثبتٌ لمصطلحات مرّت بالباحث في أثناء انكبابه على دراسة الوثائق والسجلات الشرعية.

نبذة

خالد زيادة مدير فرع «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» في بيروت، وسفير لبنان السابق في جامعة الدول العربية، وأستاذ جامعي، وباحث في التاريخ الاجتماعي والثقافي. له مؤلفات عدّة، من بينها: «تطور النظرة الإسلامية إلى أوروبا؛ ولم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب والخسيس والنفيس: الرقابة في المدينة الإسلامية والكاتب والسلطان: من الفقيه إلى المثقف؛ وثلاثية مدينة على المتوسط؛ ورواية حكاية فيصل».

back to top