فنانون ومخرجون: بساطة «القرقيعان» راسخة في الأذهان
يحتفل به الجميع في منتصف رمضان من كل عام
يتميز شهر رمضان عن غيره من الأشهر، سواء الهجرية أو الميلادية، بعادة اجتماعية مبهجة هي «القرقيعان»، وهي العادة التي سكنت أهازيجها الذاكرة وتوارثتها الأجيال، وبرغم أن مساحتها الاحتفالية تستمر ساعة أو ساعتين بعد صلاة المغرب، فإن ذكرياتها تستمر للسنة التي تليها. وجرت العادات والتقاليد أن تحيى عادة القرقيعان في النصف الثاني من شهر رمضان المبارك، بمشاركة جميع أفراد المجتمع بين صغير وكهل وشيخ، وكذلك على المستوى النسائي، فهن الأخريات يحيينها بطرقهن التي اعتدن عليها وتوارثنها، بل وجددنها.
وبرغم أن أمورا كثيرة قد تغيرت في المجتمعات على الصعد والمستويات كافة، فإن القرقيعان وقف صامدا وتحدى المتغيرات، ليكون شاهدا وراصدا على التاريخ وذكريات الماضي والحاضر ومستجداته، حيث أضيف كثير من البرامج والأجواء على طرقه الاحتفالية، وفقا لتقدم الزمان واتساع المكان.
وبرغم أن أمورا كثيرة قد تغيرت في المجتمعات على الصعد والمستويات كافة، فإن القرقيعان وقف صامدا وتحدى المتغيرات، ليكون شاهدا وراصدا على التاريخ وذكريات الماضي والحاضر ومستجداته، حيث أضيف كثير من البرامج والأجواء على طرقه الاحتفالية، وفقا لتقدم الزمان واتساع المكان.
ومن خلال هذا الاستطلاع نرصد لـ «الجريدة» آراء الفنانين والمثقفين عن ذكرياتهم مع القرقيعان، فكانت ذكرياتهم تبعث على البسمة والضحكات فوق الشفاه، كما قاموا بتسجيل انطباعاتهم حول القرقيعان الآن وفي السابق.كانت البداية مع المطربة رهف، التي حملت ذاكرتها كثيرا من المواقف عن هذه المناسبة وقالت: كنت صغيرة أنا وأشقائي مع أبناء الجيران نستعد لجولة القرقيعان في الفرجان القريبة من فريجنا، كان ذلك في أواخر الثمانينيات. واستذكرت رهف الأمهات وهن يضعن لهن القرقيعان، ويطلبن منهن الغناء بأسماء عيالهن، مضيفة: أحيانا كنا نجد ضمن الحلويات بعض «الخردة» مثل المائة فلس أو الخمسين فلسا.
أطفال مدللون
وأضافت رهف أنه على أيامهم لم تكن توجد ملابس معينة أو أصناف غالية من أكياس القرقيعان، كما أن أطفال اليوم مدللون، مشيرة إلى أن الحلويات لم تكن تحتوى في السابق على أنواع كثيرة من الشوكولاته، والهدايا والمفاجآت.من جانبها، استذكرت الفنانة التشكيلية أميرة أشكناني طفولتها بمجرد أن يظهر هلال رمضان، قائلة: أتذكر هذه الليالي التي تتزين بعالم الحلويات، والتي تبقى في ذاكرة كل طفل، كنا نجتمع مع أقربائنا من الأولاد والبنات، حاملين معنا الدفوف وبعض الآلات الموسيقية البسيطة، وننتقل إلى بيوت الجيران لنحصل على القرقيعان حتى يمتلئ الكيس، لنذهب سريعا إلى المنزل، ونحصي ما حصلنا عليه من الحلوى والشوكولاته، وأحيانا بعض النقود، وكنا نتباهى مع أقراننا بما حصلنا عليه، وكأننا حصلنا على كنز أو غنائم، بعدها نبدأ في التبادل مع إخوتي بقطع الحلوى المفضلة لدى كل منا، حتى نحصل الرضا التام.• أما الفنانة التشكيلية عطارد الثاقب فقد وصفت القرقيعان بأن له ذكريات جميلة جدا رسخت في أذهاننا، وقالت: كنا ننتظر أن ينتهي وقت الفطور حتى نحصل على الشوكولاته والمكسرات التي كانت بالنسبة إلينا أهم من الوجبات الرئيسة. واستذكر المخرج حبيب حسين إحدى المواقف المضحكة التي حدثت له عندما كان يبلغ من العمر 8 سنوات، وقال: بعد أن تعبت في تجميع القرقيعان وضعته بـ «كيس قماش» كبير، وكان هذا الكيس يوضع آنذاك على رقابنا، مشيرا إلى أنه جمع كميات كبيرة من القرقيعان، وكان فرحا بحصيلة ما جمعه، فقام أحد الأطفال بسرقة هذا الكيس وفر هاربا!وأضاف حسين أن القرقيعان سابقا كان مختلفا عن الآن، فقد كان «السكيك» أو «الحواري» ضيقة، والأطفال منتشرين، فكان المنظر مختلفا، أما الآن فالأطفال يذهبون في السيارة برفقة السائق والخادمة، مبينا أن الأطفال في السابق كانوا قنوعين بأشياء عادية (قليل من المكسرات)، أما قرقيعان هذه الفترة فقد دخل فيه عدة أشياء مثل الماركات العالمية، وأنواع وأشكال من الحلويات والشوكولاته، وأوضح أن القرقيعان فقد طعمه الحقيقي بهذا التغيير، وأضاف: «القرقيعان الحين أصبح شيء ثاني».أما الفنانه التشكيلية ثريا البقصمي، فقد وصفت القرقيعان في السابق بأنه بسيط، وقالت: كنا نفرح عندما يضعون لي في القرقيعان «آنا» أو «انتين»، فقد كنت في أيام الروبية أذهب للقرقيعان، مضيفة أنهم كانوا يعطوننا القليل، ذلك بسبب أن الإمكانات ليست مثل الآن، وأيضا كنا لا نتجول في أماكن بعيدة عن البيت، بسبب خوف أهالينا علينا، فكنا نتجول في «الفريج»، ولا نذهب إلى «فرجان» أخرى.وأضافت أن بعض البيوت كانت تمتنع عن إعطاء القرقيعان، وكنا نطلق لهم بعض الأغاني، معبرين عن استيائنا بعدم الحصول على القرقيعان، ولكن تلك التعليقات والأغاني كانت تتسم بصورة فكاهية.حالة تراثية
من جهته، يقول المخرج المسرحي د. مبارك المزعل إن القرقيعان حالة تراثية رمضانية في المجتمع الكويتي له خصائصه وفنونه وأهازيجه، ويبدأ بعد تناول الإفطار، حيث يقوم الأطفال في طرق أبواب الجيران والأهل والأصدقاء، وكذلك التجول في الشوارع والأحياء المجاورة، لجمع المكسرات والحلوى، وأحيانا بعض النقود، وذلك بعد الانتهاء من ترديد الأناشيد المخصصة للقرقيعان. وأضاف أن القرقيعان في الماضي كان يتميز بالبساطة، أما الآن فقد أصبح عادة للمباهاة والترف والافتخار، ولكن يبقى أساس الفكرة زراعة الفرحة وتشجيع الأطفال على إكمال شهر رمضان.وقال إن القرقيعان له في ذاكرته مواقف لا تنسى، بها شقاوة الطفولة، حيث كنا لا نختار إلا بيوت الأغنياء التي تعطي الأموال، وذات يوم كان في صحبتنا رجل كبير في السن، لكنه غير سوي عقليا، فأعطاه أحد رجالات الحي الكبار 10 دنانير لتوزيعها علينا بصفته الأكبر سنا والأكثر عقلا، لكنه بمجرد أن تناول «البيزات» اختفى ولم نجد له أثرا.مقياس الزمن
وقالت الفنان زهرة الخرجي إن احتفالات القرقيعان تصلح لمقياس الزمن، لأن من خلالها من الممكن رصد المتغيرات الاجتماعية، سواء على مستوى الحميمية الإنسانية أو الصفاء الذهني بسبب بساطة الحياة وعدم تغلب النواحي المعيشية على ما عداها من أشياء.وأشارت إلى أن ليالي القرقيعان هي ليال فنية بامتياز، مسرحها الشارع وشخوصها الكبار والصغار، فيها المواقف الكوميدية والملابس الزاهية والأهازيج الغنائية، والأطفال يرتدون الملابس الشعبية المطرزة مثل الشال والبخنق وتووب النشل والبشت، والبعض كان يرسم بالألوان على وجهه ليظهر بمظهر مختلف عن أقرانه.وشدد الفنان بشار عبدالله على أن أيام القرقيعان كانت بالنسبة إليه مناسبة غاية في الأهمية، يتجهز لها قبلها بيوم، من خلال التواعد مع أبناء الأصدقاء لوضع «خطة التحرك» والتجوال على الجيران.وأوضح أن ما كان يميز هذه الاحتفالية الزي الذي يرتديه الأطفال الذكور، وهو الدشداشة وعليها السديري والخريطة (كيس معلق في الرقبة وبه خيط يشد على الصدر)، فيما ترتدي البنات الصغيرات الدراعات وغطاء أسود شفافا للرأس وبه بعض النقوش الذهبية.وذكر أن التحرك يبدأ من البيوت وفقا لحالة أصحابها الاجتماعية، فمنها من يعطي مكسرات وحلويات، ومنهم من يعطي أموالا، وعندما تمتلئ «الخريطة» نركنها في مكان آمن، ونستكمل المسيرة، ونضع ما يستجد في حجر الدشداشة.أهازيج حاضرة في الذهن
وأوضحت المذيعة التلفزيونية ليلى بارون أنها بحكم ترتيبها مع إخوانها الذكور كانت تحظى باهتمامهم، لذا مان يتم منحي النصيب الأكبر حتى من الأشياء التي يجمعونها.وأضافت أن الأهازيج التي كان الجميع يرددونها مازالت حاضرة في ذهني الى الآن، منها: «يالله سلم ولدهم، يالله خله لأمه، عطونا الله يعطيكم، بيت الله يوديكم، قرقيعان وقرقيعان بين قصير ورمضان».وأشارت إلى أنه في حالة عدم التجاوب من بعض البيوت، كنا نصيح بالجملة المشهورة «ويص ويص في بيتكم جعاميص».من جهتها، تمنت المخرجة منال الجارالله أن يعيد مثل هذه الأيام بالخير واليمن والبركات، وأن يبعد كل شر عن الأمة الإسلامية.
زهرة الخرجي: ليالي القرقيعان فنية بامتياز مسرحها الشارع وشخوصها الكبار والصغار
حبيب حسين: القرقيعان فقد طعمه الحقيقي بسبب التغييرات العصرية
حبيب حسين: القرقيعان فقد طعمه الحقيقي بسبب التغييرات العصرية