بإعــــــــــلان وزيــــــــــــر التربــــيـــــــــة وزيــــــــــر التعلــيــــم العــــــــالي د. محمد الفارس، هذا الأسبوع، دعم الحكومة لإقرار كادر المعلمين، ثم تصويتها بالموافقة عليه بمداولتين في مجلس الأمة، يكون مجلس الوزراء، وهي ليست المرة الأولى، قد نقض تعهداته السابقة بعدم الموافقة على أي كادر مالي قبل إقرار البديل الاستراتيجي للرواتب، والذي تعتبره الحكومة مدخلاً لإصلاح العديد من الاختلالات المزمنة التي شابت منظومة الرواتب والوظائف في الكويت بسبب فوضى «الكوادر» قبل نحو 10 سنوات، والتي أخلت بالعدالة والمساواة في القطاع العام.

وبغض النظر عن أي أعباء مالية غير محددة حتى الآن لأي كادر جديد، فإن «الكوادر»، حسب التجارب في الكويت، لا تأتي فرادى، إذ يكفي إقرار كادر واحد لقطاع معين حتى تبدأ سلسلة المطالبات من القطاعات الأخرى بكوادر مالية مشابهة، مع تأكيد كل نقابة أو اتحاد أهمية وحيوية أعمالها التي تتطلب إعادة النظر في مميزاتها المالية، حتى تعود الفوضى مجدداً لمنظومة الرواتب والوظائف.

Ad

نقابات وحكومة

غير أن العبء أو اللوم لا يقعان على النقابات أو الاتحادات وحدها في المطالبة بكوادر أو مزايا مالية، فالبديل الاستراتيجي نفسه يدخل اليوم العام الرابع من الدراسة والنقاش، مما يزيد الانطباع عنه بأنه مجرد إبرة بنج تؤجل المواجهة المحتملة بين النقابات والاتحادات من جهة، والحكومة من جهة أخرى.

فمن المفترض أن يكون البديل الاستراتيجي للرواتب علاجاً لمظاهر التخبط الحاصلة حالياً في الهياكل الوظيفية مع خدمته لمساعي كفاءة الإنفاق في الميزانية العامة للدولة التي تكلفها الرواتب وما في حكمها بين البابين الأول والخامس بما يتجاوز 10 مليارات دينار من إجمالي المصروفات العامة التي تناهز 19 ملياراً أي أكثر من 52 في المئة من الإنفاق العام.

معالجات منحرفة

غير أن المعالجات المنحرفة لملف اختلالات منظومة الرواتب والأجور وطغيان الجانب السياسي على الفني جعل هذا البديل يدور في حلقة مفرغة منذ 4 سنوات، ما بين لجان وزارية وأخرى برلمانية، إذ كانت معظم النقاشات مالية صرفة بعقلية المحاسبين البيروقراطيين وليست تنموية بعقلية اقتصادية تستهدف أن يكون البديل الاستراتيجي مدخلاً لإصلاح اقتصادي أكبر، كأن يكون ضمن فلسفة عامة لإصلاح سوق العمل عبر توفير فرص عمل في القطاع الخاص، وتشجيع المشاريع المحلية التي توظف العمالة المحلية، واستقطاب أموال أجنبية لوقف الهجرة المعاكسة التي حصلت من القطاع الخاص إلى العام خلال السنوات العشر الماضية، وخصوصاً مع بداية إقرار الكوادر والبدلات في القطاعين النفطي والحكومي.

عند الحديث عن دخول ما بين 15 و17 ألف طلب جديد سوق العمل سنوياً مع توقعات تنامي هذا الرقم إلى أكثر من 70 ألف طلب عمل في أقل من 15 عاماً، أي بنحو 4 أضعاف طلب العمل الحالي، يكون الحديث عن تحقيق العدالة بين موظفي الدولة مجرد عود من حزمة إصلاح كبيرة، وليس الهدف النهائي لأي بديل استراتيجي محتمل، مما يستوجب النظر إلى البديل كمشروع لحل أزمات سوق العمل. ومن دون تنويع الاقتصاد واستقطاب أموال أجنبية وتوفير فرص حقيقية للمبادرين الشباب ستكون لدينا بطالة حقيقية ذات آثار اجتماعية واقتصادية وحتى سياسية سيئة جداً.

تضخم وتقييم

لا غضاضة في إعادة النظر بالرواتب، لكن وفق نظام واضح لا يتغير إلا بمراجعة شاملة بالنسبة المئوية كل 3 إلى 5 سنوات، بعد دراسة نسب التضخم في السوق، إضافة إلى ربط مراجعة الرواتب بالإنجاز للمؤسسات التي تطالب بالزيادات، فمع وجود تقارير سنوية لقياس أداء الموظف يجب أن تكون هناك تقارير لقياس أداء المؤسسات نفسها، كي يكون التقييم عادلاً أو على الأقل أقرب للعدل، وخصوصاً في حالة التعليم، وكمثال على ذلك، نجد أن النظام التعليمي يتم الإنفاق عليه بمعدلات عالمية تناهز 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة توازي ما ينفق على التعليم في دول ككوريا الجنوبية وسنغافورة وفنلندا وغيرها، ومع ذلك فالعوائد من هذا الإنفاق العالي تأتي سلبية وتعادل أداء أفقر الدول في العالم، فوفقاً لمؤشر التنافسية العالمية لعام 2016 - 2017 جاء ترتيب الكويت في التعليم 105 من أصل 138 دولة، وهو تقييم يثبت أن العلة ليست مادية أبداً.

كذلك نجد أن الفجوة بين مخرجات التعليم وسوق العمل باتت واضحة، لدرجة أن الضغط صار يتركز في السنوات الأخيرة على أقل التخصصات ارتباطاً بسوق العمل وسط تراجع الطلب على التخصصات التي يحتاج إليها السوق، وخصوصاً تلك العلمية أو المالية مقابل نمو لافت للتخصصات الأدبية، وهو ما يحتاج إلى بديل استراتيجي آخر للتعليم أهم بكثير من بديل الرواتب الاستراتيجي.

المعالجات السطحية لملف اختلالات منظومة الرواتب والوظائف تارة ببديل استراتيجي قاصر عن إيجاد حلول لأزمات سوق العمل وتحديات البطالة، وتارة بالموافقة على الكوادر المالية لكل قطاع على حدة، تزيد الاختلال وتعمق أزمات الميزانية العامة، وتفاقم انحراف الإنفاق.