حذر كبير المديرين التنفيذيين في شركة إكسون موبيل للنفظ والغاز، مؤخرا من أن التغير المناخي بات بمثابة «خطر حقيقي، وعلى الولايات المتحدة أن تبقى طرفا في المباحثات في الأمم المتحدة بشأنه». كما أن العديد من شركات النفط الأُخرى ترفض أيضا خروج الولايات المتحدة من اتفاقية المناخ في باريس، فبالإضافة إلى شركة إكسون موبيل، هناك شيفرون ورويال داتش وشركة «BP».

وتأثرت أسعار النفط بعد انسحاب اميركا من اتفاقية باريس الاسبوع الماضي، وعن تداعيات هذا الانسحاب على صناعة النفط مستقبلا، قال رئيس وحدة الطاقة والبيئة أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت الدكتور عباس المجرن: إن اتفاق باريس للمناخ كان قد حظي، عند إبرامه في عام 2015، بدعم من الإدارة الأميركية السابقة، وهو اتفاق يلزم الدول الموقعة عليه، والتي يبلغ عددها 195 دولة، ببذل أقصى الجهود من أجل مكافحة مسببات التغير المناخي العالمي، من خلال الحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري وخفضها إلى مستوى يتوافق مع قدرة البيئة الطبيعية على امتصاصها.

Ad

وينص اتفاق باريس على خضوع مبادرات جميع الدول في مجال تحسين المناخ لقواعد محددة، مع الأخذ في الاعتبار قدرات كل دولة، وأن يتم تقييم جهودها طوعيا خلال السنوات المقبلة، ثم إجباريا في سنة 2025. وأخذ قدرات كل دولة في الاعتبار يحمل الولايات المتحدة باعتبارها أكبر اقتصاد عالمي والمتسببة في نحو 15 في المئة من ابنعاثات ثاني أكسيد الكربون، وهو أهم الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي مسؤولية عظيمة في هذا المجال.

وأضاف المجرن أن انسحاب اميركا من الاتفاق يضعف من فرص تحقيق معدلات خفض الانبعاثات على المستوى الدولي، وسيكون له أثر سلبي واسع على المستوى العالمي من خلال تباطؤ وتيرة الابتكار والتطوير في مجال إنتاج المنتجات الصديقة للبيئة، لافتا الى ان الولايات المتحدة بوصفها أكبر دول العالم وأسرعها في تطوير الابتكارات ومنتجات التكنولوجيا المتطورة، ولأنها تضم أكبر الشركات العاملة في هذا المجال، كانت ستوفر من خلال التزامها باتفاق باريس الدعم السخي والحوافز اللازمة لشركاتها من أجل تسريع عجلة الابتكار والتطوير في مجال التقنيات التي تزيد من كفاءة حرق الطاقة وتقلل من كمية الانبعاثات الضارة.

وتابع «قد يقود انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق إلى تعزيز التعاون الصيني مع التكتلات الاقتصادية الأخرى، وخاصة الاتحاد الأوروبي، لاسيما أن الصين داعمة بقوة لاتفاق باريس، وهذا قد يقود إلى تصاعد وتيرة التوجهات الحمائية المتبادلة مع الولايات المتحدة، وستترتب على ذلك تداعيات تضعف من حركة التجارة العالمية ومن معدل النمو الاقتصادي العالمي»، موضحا أن هذا أمر ليس في مصلحة أحد بما في ذلك الولايات المتحدة، ولا سياسة الرئيس ترامب المعلنة التي تضع هدف توفير المزيد من الوظائف في مقدمة أولوياتها.

تخفيف القيود البيئية على «الصخري»

وذكر المجرن أن مع التقلبات الحادة في الطقس وسلسلة الكوارث الطبيعية المتفاقمة التي يتعرض لها كوكب الأرض سنويا بسبب الاحتباس الحراري، لم يبق هناك من العلماء من يجادل في مسؤولية التوسع في أنشطة قطاعات الصناعة والمواصلات وظاهرة التصحر عن هذه المشكلة، ولاشك في أن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ سيضعف من زخم الجهود الدولية الرامية إلى الحد من مشكلة التغير المناخي، موضحا أن هذا من شأنه أن يقود إلى مزيد من الكوارث والتداعيات، والولايات المتحدة ليست بمنأى عن كل هذا.

أما عن التأثير في مجال الطاقة فقال المجرن: «إذا ترتب على الانسحاب من الاتفاق تخفيف القيود البيئية على الشركات العاملة في صناعة النفط والغاز الصخريين، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة معدل الانبعاثات الضارة، ولكن في الوقت ذاته فإن زيادة الاعتماد على الغاز الصخري في توليد الطاقة على حساب مصادر الوقود الأحفوري الأخرى سيؤدي في المقابل إلى انخفاض نسبة تلك الانبعاثات نتيجة إحلال الغاز محل مصادر الوقود الأحفوري الأخرى في توليد الطاقة في الولايات المتحدة، وهذا هو ما يسعى إليه اتفاق باريس أصلا».

النفط مقابل البيئة

من جهته، قال الخبير المتخصص في تكرير وتسويق النفط عبدالحميد العوضي، إن الرئيس الاميركي خلال حملته الانتخابية كان يلمح بالانسحاب من الاتفاقيات التي أبرمت في عهد اوباما، ومن ضمنها اتفاق باريس للمناخ، وكان في حينها يعرف ماذا يريد الشعب الاميركي من تقليل الضرائب وزيادة الوظائف وتقليل إعداد البطالة، مشيرا الى ان ترامب رجل اعمال، ودائما ما يفكر في الشركات الكبرى مثل ايكسون موبيل وداو كيميكال وشيفرون وفيليبس، وأغلب هذه الشركات ترفض التشدد في قضايا البيئة، كما انها تدر أموالا كبيرة ومكتب الضرائب يقتطع 15 في المئة من دخلهم قبل توزيع الأرباح.

وأوضح العوضي ان الصناعة النفطية علاقتها وثيقة بالبيئة، فجميع عملياتها من الاستكشاف والإنتاج والتكرير تضر البيئة والقوانين الصارمة تعوق عملهم، مضيفا ان حصل اتفاق بين ترامب وشركات النفط الكبري بزيادة نشاطهم، وهو ما يعني خلق فرص وظيفية جديدة، فالوضع اصبح «النفط مقابل البيئة».

وأشار إلى أن اتفاق باريس للمناخ سيدخل حيّز التنفيذ في سنة 2020، ومازال ترامب لم تنته ولايته مما ستساعده في حال تحسن الاقتصاد الاميركي من خلال التغاضي عن البيئة لمصلحة ازدهار الاقتصاد، وهذا سيساعده على النجاح لولاية ثانية.

وبين ان تخفيف القيود على البيئة سيساهم في انتعاش انتاج النفط الصخري، بالاضافة الى انتاج النفط التقليدي سواء في البحر او البر، وهنا ستزيد كمية الانتاج وتصبح وفرة في السوق النفطي وستنخفض أسعار النفط.

وأكد العوضي ان اميركا طورت وسائل تكنولوجيا استخراج النفط الصخري وأصبحت تكلفته ما بين30 و35 دولارا للبرميل، متوقعا ان يتم الضغط على الأسعار مستقبلا وسيضع اتفاق «اوبك» بتخفيض انتاج النفط على المحك من خلال الكميات التي تنتجها اميركا من النفط الصخري.