التصوف هو المظهر الروحي والديني الحقيقي عند المسلمين، فهو الحياة الروحية في أخص مظاهرها، فإذا أردنا أن نبحث عن العاطفة الدينية الإسلامية في صفاتها وثقافتها وحرارتها وجدناها في الصوفية، وإذا أردنا أن نقارن بين الإسلام وغيره من الديانات، لوجدنا أن حظ المسلمين من الحياة الروحية الخاصة موجود في ممارسة الصوفية.

ومن هذا المنطلق، يتناول كتاب "التصوف... الثورة الروحية في الإسلام" للدكتور أبوالعلا عفيفي، ويؤكد أنه لولا التصوف لكان الإسلام كما فهمه المتزمتون من الفقهاء، والمتكلمين والفلاسفة دينا خاليا من الروحانية العميقة ومن العاطفة، وكانت عباداته ومعاملاته مجموعة جامدة من القواعد والأشكال والأوضاع تباعد بين العبد وربه، بدلا من تقربه إليه، وتورث صاحبها الشك والحيرة، والقلق بدلا من الطمأنينة واليقين.

Ad

ويشير المؤلف في كتابه إلى أن أول ثورة في الإسلام، هي ثورة التصوف على الدنيا، وكانت تحت عنوان "الزهد"، حيث كان الزهد دائما عنصرا أساسيا من عناصر الحياة الصوفية، وهنا يدافع المؤلف عن التصوف من الدخلاء عليه ومدى ارتباط المشعوذين والدجالين الذين يثيرون في النفوس أحوالا تشبه في ظاهرها أحوال الصوفية، ويدعون أنهم صوفيون، وهؤلاء هم من أساءوا إلى الصوفية النقية.

وينفي الكاتب مشهد الزهد الرهباني، فهو ليس من الفضائل التي دعا إليها الإسلام، لأنه في حقيقته دين اجتماعي، والزهد الرهباني مناف لروح الحياة الاجتماعية، لكن الإسلام دعا إلى نوع آخر من الزهد يمكن وصفه بأنه القصد في اللذات وعدم التهالك عليها أو الإسراف فيها إلى الحد الذي ينسى الإنسان فيه ربه وآخرته، لأن النبي دعا إلى الزهد واعتبار الدنيا دار فناء.

ولم تكن الثورة التي قام بها الفقهاء من الصوفية قديما إلا رد فعل للثورة الروحية التي أراد الصوفيون أن يحدثوها في الدين، فقد أدرك الصوفيون أن الدين أصبح في عرف الفقهاء جملة رسوم وأوضاع لا حياة ولا روحانية فيها، وأن هذه الأوضاع إن أرضت ظاهر الشرع فلم تكن ترضي باطنه، ولا تشبع العاطفة الدينية عند الصوفية، لذا كان لابد من أن ينقسم علم الشريعة إلى قسمين علم ظاهر: العلم الذي يدرس الأعمال التي تجرى على الجوارح من صلاة وصوم وحج ومعاملات، والعلم الثاني هو علم الأعمال الباطنة أو أعمال القلوب، وهو التصوف أو علم الحقائق.

ويسترسل الكاتب في الحديث عن لغة الحب الإلهي، وأسلوبها والمسماة بـ"الرمزية"، حيث لغة الرمز والإشارة التي يستخدمها المتصوف فتكون فيضاً من النور الإلهي الذي تنغمس فيه الروح وينكشف به سر الخليقة، ويتحدث عن الحرية فيصفها بأنها الانطلاق من قيود العبودية إلى سعة فناء الرمزية- ويشبه أنفسا بطائر يحن إلى الرجوع إلى وطنه، لذا فمن الطبيعي أن يستخدم المتصوف لغة الرمز وهو يحاول التعبير عما يشعر به من الحب الإلهي الذي يختلف في جوهره عن أي حب معهود، وإن كان في رمزيته أبلغ لما لها من عمل السحر، فهي لا تمس العقل لكن تثير الخيال والوجدان، لكنها تمس القلب مساً مباشراً كما أن التصوف لا غنى له من الرمزية والإشارة لكي يترجم عن أحواله مهما كانت لغة الرمزية.

وتناول الكاتب سير كبار المتصوفة القدامى مثل الحارث المحاسبي، وأبوالقاسم الجنيد، وذو النون المصري، وأبو اليزيد البسطامي، وعمر بن الفارض، كما تناول قضية الولاية والفرق الصوفية ومراتبهم، ودرجات الرضا لديهم.