وجه الناخبون البريطانيون ضربة قاصمة لرئيسة الوزراء تيريزا ماي في انتخابات مبكرة كانت قد دعت إليها لتعزيز موقفها في محادثات الخروج من الاتحاد الأوروبي، وأفقدوها أغلبيتها البرلمانية على نحو يلقي بالبلاد في خضم اضطراب سياسي.ولم يخرج فائز واضح من الانتخابات البرلمانية التي جرت أمس الأول، وأشارت ماي التي خذلتها النتائج إلى أنها ستواصل النضال، أما منافسها زعيم حزب العمال جيريمي كوربن فقال إنه يجب عليها أن تستقيل، غير أن الأخيرة أكدت أنها لن تستقيل، وكسبا للوقت، أعلنت ماي أنها تنوي تشكيل حكومة جديدة، كما أفاد الناطق باسمها أمس.
وتوجهت ماي إلى قصر باكينغهام لطلب تفويض من الملكة اليزابيث الثانية لتشكيل حكومة كما ينص عليه البروتوكول، وذلك بعد أن حصلت على موافقة مبدئية من الحزب الديمقراطي الوحدوي في أيرلندا الشمالية لتشكيل حكومة أقلية، والذي حصل على 10 مقاعد.وبعد إعلان نتائج 643 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغ عددها 650 مقعدا، حصل المحافظون على 315 مقعدا.لكن رغم فوزهم بأكبر عدد من المقاعد، لم يتمكنوا من الاستحواذ على العدد المطلوب لتحقيق أغلبية برلمانية وهو 326 مقعدا. وحصل حزب العمال على 261 مقعدا، في حين حصل "الديمقراطيون الأحرار" على 12.
استقرار
وفي حين أن من المقرر بدء المحادثات بالغة التعقيد المتعلقة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في غضون 10 أيام فقط، لا يبدو واضحا من سيشكل الحكومة القادمة ولا الاتجاه الأساسي الذي ستسلكه محادثات الخروج.وقالت ماي بعد أن فازت بمقعدها البرلماني عن دائرة ميدنهيد قرب لندن: "في هذا الوقت، أكثر ما يحتاج إليه هذا البلد هو فترة من الاستقرار".ومضت قائلة وقد بدت عليها علامات التجهم: "إذا كان حزب المحافظين قد فاز بأكبر عدد من المقاعد، وعلى الأرجح بأكبر عدد من الأصوات، فسيكون لزاما علينا أن نضمن تحقيق تلك الفترة من الاستقرار، وهذا هو ما سنفعله بالضبط".أما كوربن، فقال بعد أن فاز بمقعده في شمال لندن إن محاولة ماي الفوز بتفويض أكبر أتت بأثر عكسي.وأضاف: "التفويض الذي خرجت به هو فقد مقاعد للمحافظين وفقد أصوات وفقد دعم وفقد ثقة". ومضى قائلا: "أظن أن هذا يكفي لترحل وتفسح الطريق لحكومة تمثل حقا كل الناس في هذا البلد"، كما أعرب كوربن عن استعداده "لخدمة الشعب الذي أولاه ثقته".إحباط أسكتلندي
وفي شأن متصل، شكلت نتائج الانتخابات نكسة للاسكتلنديين، حيث تعرضت خطط الحزب القومي الاسكتلندي لإجراء استفتاء ثان حول استقلال اسكتلندا عن بريطانيا لضربة قوية، بعد أن خسر الزعيم السابق للحزب، ونائب رئيس الحزب الحالي، مقعديهما في البرلمان.فقد خسر أليكس سالموند، الزعيم السابق للحزب والوزير الأول السابق في اسكتلندا، بينما خسر انجوس روبرتسون نائب رئيس الحزب مقعده أيضا في البرلمان.وعلى الرغم من هذه النتيجة، أكدت زعيمة الحزب القومي الأسكتلندي الحالية نيكولا ستورجيون أن حزبها فاز في الانتخابات، مستشهدة بما وصفته بأنه نتيجة كارثية لحزب المحافظين بزعامة ماي.لكن بينما بدا حزب المحافظين في طريقه لأن يخسر أغلبيته البرلمانية، حقق الحزب تحولا مذهلا في اسكتلندا، حيث كانوا لا يحظون بشعبية واسعة منذ عقود.فقد فاز حزب المحافظين الاسكتلندي، بقيادة روث دافيدسون بـ 11 مقعدا في الانتخابات المبكرة التي جرت أمس الأول، مقارنة بمقعد واحد فقط في الانتخابات الأخيرة قبل عامين.وقالت دافيدسون: "كانت هناك قضية كبيرة في تلك الحملة، وتحاول نيكولا ستورجيون الضغط لإجراء استفتاء ثان بشأن الاستقلال في مارس المقبل". وأضافت: "مات الاستفتاء بشأن استقلال اسكتلندا. هذا ما حدث الليلة الماضية".بريكست
ومن منظور الاتحاد الأوروبي، فإن مجريات الأمور ربما تعني تأخر البدء في محادثات الانسحاب من التكتل وزيادة احتمال فشل المفاوضات. وسارع الأوروبيون أمس الى التعليق على نكسة ماي الانتخابية، حيث عبروا من جهة عن رغبتهم أن تبدأ مفاوضات بريكست بسرعة، ومن جهة ثانية عن قلقهم من ألا تجري هذه المفاوضات بشكل جيد بسبب ضعف الحكومة الجديدة.وقال مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الميزانية جونتر أوتينجر: "نحتاج حكومة يمكنها العمل، ومع وجود شريك تفاوضي ضعيف يكمن خطر أن تأتي المفاوضات بنتائج سيئة للجانبين".من جهته، صرح كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي بشأن خروج بريطانيا ميشيل بارنييه من الكتلة الأوروبية، أمس، بأن المحادثات بشأن بريكست ستبدأ "عندما تصبح المملكة المتحدة مستعدة".كما اعتبر رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب، أمس، أن نتائج الانتخابات البريطانية تشكل نوعا من المفاجأة، لكنها لن تعيد النظر في موقف بريطانيا من بريكست. وقال "بمطلق الأحوال ستكون المحادثات طويلة ومعقدة".ودعت ألمانيا أيضا على لسان وزير خارجيتها زيغمار غابرييل بريطانيا إلى التسريع بتشكيل حكومة قريبا لإجراء مفاوضات الخروج.أما رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك فقد أكد، أمس، أن المفاوضات بشأن "بريكست" يجب ألا تنتهي دون التوصل إلى اتفاق، نظرا لأنها أجلت بسبب نتيجة الانتخابات البريطانية.