غنام الديكان لـ الجريدة•: سعود الراشد أسهم في تطوير قالب «الأصوات» (5-5)

«قدمت أول منهج للإيقاعات الموسيقية بدعم من الموجه العام ثم اتبعه البقية»

نشر في 10-06-2017
آخر تحديث 10-06-2017 | 00:05


يعد الموسيقار القدير غنام الديكان أحد أعلام الأغنية الكويتية الحديثة، وعاشقاً للتراث الموسيقي الكويتي، ومبدعاً في أعماله، وتاريخه الفني خير شاهد على ذلك، فأعماله التي ارتبطت بأغلبية نجوم الأغنية الكويتية لاتزال خالدة تتوارثها الأجيال.

أدى الديكان دوراً مهماً في الحركة الموسيقية والغنائية الكويتية والخليجية، خصوصاً في الأغنية الوطنية النابضة بحسّ وطني مستلهم من روح الكويت وتاريخها، وهو يعبر من خلال موسيقاه عن أفراحها وآمالها وآلامها، لذا استطاع أن يسمو بالأغنية الكويتية الوطنية، ويجدد ألحانه، التي شربت أريج الكويت وعطر ترابها الخالد، حتى أصبح أحد أبرز فرسان الأغنية الوطنية.

وفي الحلقة الخامسة والأخيرة، يروي لنا الديكان عن انتقاله إلى المخازن في وزارة التربية، ثم ترقيته إلى رئيس القسم الفني، وبعدها قدم أول منهج للإيقاعات الموسيقية، الذي تبنى عليه المحاضرات للموجهين الكبار. ثم انتقل للحديث عن تأسيس فرقة التلفزيون للفنون الشعبية- تتبع لوزارة الإعلام، حيث انتسب إليها 60 شاباً كويتياً، إذ قام بتدريبهم على الفنون الشعبية، مثل السامري والخماري بتفاصيله وغيرهما، إضافة إلى الصولفيج الشرقي، في المقابل كان الملحن مرزوق المرزوق يدربهم على الصولفيج الغربي، ثم تم إصدار 4 اسطوانات طبعت لدى بوزيدفون، نجحت ولاقت اهتماما كبيرا من الناس، لأنها احتوت على فنون المدينة والبحر والبادية.

وتحدث عن تلحينه للمسرحيات منها مسرحية «علي جناح التبريزي وتابعه قفه» لفرقة المسرح الأهلي، عام 1975، مثلت الكويت في مهرجان دمشق المسرحي في دورته السادسة وفازت بأفضل عرض مسرحي.

... حول تلك التفاصيل كان لنا معه هذا الحوار:

• ما القسم الذي انتقلت إليه في وزارة التربية؟

- كان عبدالعزيز المفرج (شادي الخليج) موجهاً عاماً للتربية الموسيقية، وانتقلت إلى المخازن الخاصة بالموسيقى، التي احتوت على كل الآلات الموسيقية، وتم تقسيمها ما بين قسم السينما وقسم الموسيقى، وتعينت أميناً لمخزن الموسيقى، فأوكلت مهمة تنظيفه بالكامل إلى العمال وكانوا من الشباب الكويتيين، لأنه كان متسخاً والآلات غطتها الأتربة.

• ما نوعية الآلات الموجودة؟

- الأكورديونات بأشكالها وأحجامها المختلفة، وأنواع من الكمنجات والتشليو، وآلات النفخ، وأعواد، وغيرها، وعندما انتهيت من ترتيبها، دونت كل العهدة، وجاءني المفرج مسروراً بما قمت وقال لي: «هذا معرض... يعطيك العافية على جهودك».

والمفرج كان يمتاز بعدم بيع الآلات الموسيقية القديمة، كي يستغلها كقطع غيار للجديدة، وعمل شبه مصنع في التوجيه التربية الموسيقية، تصنيع الآلات الموسيقية، ولديه أفكار في استغلال مثلاً البيانو القديم الذي لا يمكن استخدامه للعزف، كمكتبة في المدارس، وفي كل مدرسة تجد بيانو للعزف والآخر مكتبة.

• كيف تمت ترقيتك؟

- قابلنا وزير التربية جاسم المرزوق، والوكيل د. يعقوب الغنيم، وطلب عبدالعزيز المفرج من الوزير ترقيتي إلى رئيس القسم الفني في التوجيه الفني العام للتربية الموسيقية بالوزارة، لوضع النوتات والمناهج، فأصدر قراراً بذلك، والتقيت هنا بأغلبية الأساتذة الذين تتلمذت على أيديهم، من بينهم عبدالرؤوف إسماعيل، والمايسترو سعيد البنا الذي كان عازفاً على التشيلو في فرقة الموسيقى بإذاعة الكويت وهو ملحن متمكن، وقد انتقل للعمل في التربية.

• ما حكاية المنهج الذي أصدرته؟

- كانت هناك أغنيات تغنى في الشارع و»السكيك» بين الأطفال، تبين تلك الحالة في «فرجان لول»، فالذاكرة تخزن تلك الأعمال سواء للكبار أو الصغار، سواء التي تقدم في العرضات أو الحدوات، وحفلات الأعراس، استحضرها عندما أشرع في صياغة اللحن، إضافة إلى من حثني على التعلم وساعدني من زملائي الفنانين، حتى أصل إلى أسرار الفنانين الشعبيين المميزين، كان نتيجته تقديم أول منهج للإيقاعات الموسيقية، بدعم من الموجه العام الذي تبنى عليه المحاضرات، للموجهين الكبار من بينهم عبدالرؤف إسماعيل، ثم اتبعه البقية.

• كيف تأسست فرقة التلفزيون؟

- طلبني محمد السنعوسي لتأسيس فرقة التلفزيون، وكان د. يوسف دوخي اعتذر لانشغاله بالدراسات العليا، فقال المفرج للسنعوسي لن يفيدك في هذا إلا مرزوق المرزوق – كان مدرساً في التربية- وغنام الديكان.

بدوري اقترحت الاستعانة أيضاً بنجم العميري الذي كان منذ طفولته مع فرقة العميري ورئيسها والده وعمه، فهو على معرفة وثقافة كبيرة بالفنون البحرية، وبدر الجويهل ومرجان المرجان.

انتسب إلى الفرقة نحو 60 شاباً كويتياً، بحماسة وعشق، علمهم العميري كيفية الإمساك بالطار والضرب عليه على طريقة البحارة الكويتيين، كما قمت بتدريبهم على الفنون الشعبية، مثل السامري والخماري بتفاصيله والردحات، ولعبوني، وحدادي، وحدادي مخالف، وحدادي حساوي، أما الملحن مرزوق المرزوق فتولى مهمة تدربيهم الصولفيج الغربي وأنا الشرقي.

كنت أذهب إلى أحمد علي، رحمه الله، في مكتبة الفنون الشعبية، الذي كان يكتب الإيقاعات بالطريقة التقليدية، وهي عبارة عن خط واحد، فإذا أتيت إلى السنكني فلن تعرف إن كان الإيقاع هذا للطار أو الطبل أو الطاسة، لذا قمت بتدوين خطوط لكل آلة إيقاعية على حده في النوتة، حتى التصفيق.

• لماذا بدأتم بإصدار اسطوانة لفرقة؟

- أصدرناها بعد موافقة السنعوسي، كي نشهر الفرقة، ولإعلام المتلقين بأسماء فنون لم تكن معروفة لديهم، من خلال أربع اسطوانات عند شركة بوزيدفون، وكانت تحتوي السامري وسامري نقازي وسنكني جميعها من ألحاني أنا والمرزوق، وقد نجحت ولاقت اهتماما كبيرا من الناس، لأننا قدمنا الفنون البحرية والبرية ثم البادية من خلال القلطة.

وبودي الإشارة هنا إلى دور السنعوسي في تصوير أعمال الفرقة من بينها أغنية «صبوحة».

• كيف تعرفت على السامري القروي؟

- الفنون القروية في كل من الفنطاس وغيرها التي كنا نقضي الربيع بها، وعرفت الفنون من عبدالله المزيعل الذي شرح لي السامري القروي وأموراً أخرى، كما أن هناك دوراً للأستاذة دلال أحمد البشر ناظرة مدرسة أم عطية الأنصارية، التي أحضرت لي تسجيلا للسامري القروي، ولم يكن هناك من يعرفهما، وقد أدخلت هذا اللحن والإيقاع على لوحة غنائية للمدرسة المذكورة مع إضافة فواصل موسيقية وغنائية.

• ماذا عن مشاركاتك المسرحية؟

- قدمت العديد من الألحان لمسرحيات فرقة المسرح الشعبي، كما لحنت اللوحات الغنائية في مسرحية «علي جناح التبريزي وتابعه قفه» من تأليف ألفريد فرج، وإخراج المبدع الراحل صقر الرشود، وهي من تمثيل فريق منتخب من المسارح الأهلية الأربعة، تمت تسميتها فرقة المسرح الأهلي، عام 1975، وعرضت في الكويت ومثلت الكويت في مهرجان دمشق المسرحي في دورته السادسة وفازت بأفضل عرض مسرحي، ما دفع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب إلى تقديم عروضها في تونس والمغرب ومصر في العام نفسه.

وقد شاركت في العمل عازفاً في العرض الذي أقيم في دمشق، وقمت قبلها بعمل تدريبات للمجموعة التي تمثل شخصيات الفقراء كجوقة في هذا العمل المسرحي.

• كيف عاد المفرج بعد انقطاعه عن الغناء؟

- كان متوقفاً عن الغناء حوالي 12 عاماً، وأعجبه تطوير مرزوق المرزوق للحن «قف بالطواف»، ولحنت له «سدرة العشاق» من كلمات مبارك الحديبي زادها جمالاً بصوته العذب ودرجاته الرائعة، ثم «حالي حال» من كلمات د. عبدالله العتيبي، في جو من النهمة وفي نهايتها ختمت بالخطفة.

• كيف وجدت ضالتك في «مذكرات بحار»؟

- عثرت في إحدى المكتبات على ديوان صغير جداً جذبني شكله فهو بحجم دفتر الغوص القديم للشاعر محمد الفايز بعنوان «مذكرات بحار»، وتصفحته فإذا به قصائد بالفصحى تتناسب مع أجواء النهمة والخطفة.

وفي تلك الفترة بدأ الخلاف بين جمعية الفنانين وبين الإذاعة على الأجور لأنها قليلة جداً، وكان لدي فراغ كبير فرحت أدندن، ثم ألحنها شيئاً فشيئاً خصوصاً أنني تشجعت وتحمست لها لأنها تتناسب مع الإيقاعات التي أحبها من حيث قصة رحلة الغوص فلحنتها، دون أن يطلب مني أحد ذلك، ولم أكن أعلم أنني سأحتاجها.

وسمع عبدالعزيز المفرج (شادي الخليج) ما لدي من ألحان، فأعجب بها، وتمت صياغتها على هيئة لوحات وفواصل موسيقية وغنائية لتصبح «أوبريتاً» قدمناه معاً، وكان الفايز فرحاً بهذه الفكرة فعملنا معاً على تعديل بعض الكلمات بصورة تتناسب، مع ما نريد فظهر العمل الفني ونجح نجاحاً كبيراً.

• وماذا عن تلحين «يا جابر الشعب»؟

- قال لي الأستاذ عبدالرؤف إسماعيل، إن مهمة تلحين «يا جابر الشعب» عليك، حيث كانت في بداية تولي أمير القلوب الأميرالراحل الشيخ جابر الأحمد رحمه الله الحكم، أداها كورال وزارة التربية في حفل لوزراء خليجيين عام 1978، من كلمات الشاعر أحمد عنبر، وتوزيع الفنان سعيد البنا، وقد درّب الكورال المايسترو عبد الرؤوف إسماعيل، أشرف عليه الموجه الفني العام للتربية الموسيقية عبدالعزيز المفرج، وأخرجه مسرحياً الفنان المصري عاطف شعبان وتلفزيونياً المخرج فيصل الضاحي.

• ثمة حكاية لاسكتش «المطرب القديم» ... فما هي؟

- أجل، هي عندما زرت الفنان سعود الراشد في مكتبه، قال لي بروح الفكاهة، كان هناك أحد المطربين سابقاً اشتهر بحبه للغناء، فعزم جماعته، على السمرات في منزله، وفي أحد الأيام لم يعقد السمرة لأن ليس لديه إلا «خيشة مراويس» واحدة، فعلقت هذه النكتة الأخيرة بذهن بورسلي، فألف هذا المقطع «لو حصل خيشة مراويس واكو ناس اتسمع، يا غشيمة شلون ابدع».

وأثناء صناعة هذا العمل كنا نجتمع أنا وبورسلي مع الفنانين المبدعين خالد النفسي وسعاد عبدالله، وهما يمتلكان حساً فنياً، أفضل من بعض المطربين في الأداء المعبر.

• ما الفرق بين الصوت الكويتي والبحريني؟

- ثمة لبس وإشكالية كبيرين في هذا الموضوع، فن الصوت من المصدر نفسه، لكنهما قد تأثرا ببعضهما بعضاً، النص واحد، وكذلك اللحن والإيقاع، لكن النكهة البحرينية مختلفة تماماً، في الكويت بعد بن لعبون جاء عبدالله الفرج وهو أول من عمل الأصوات، وفسر د. يوسف دوخي فن الصوت في رسالة الماجستير، هو له رأي آخر، أن أول من وضع ألحان الصوت في قالبه المعروف الآن عبدالله الفرج.

الأسلوب الغنائي والعزف الذي جاء فيه محمد بن فارس وضاحي بن وليد يختلف، وبالنسبة لي لا أحد يضاهي ضاحي بن وليد في الصوت القديم.

من جعلك تحب فن الصوت؟

الفنان سعود الراشد، ودوره الكبير في تطوير قالب الأصوات فأعاد إليها رونقها لتساير الأغنية الحديثة، وأعد منها ألحاناً لتعزفها الفرقة الموسيقية بعد أن كان عزفها يقتصر على آلة العود (الأساسية) والمرواس (الإيقاعية) والتصفيق.

• ما هي الجوائز الكبرى التي حصلت عليها؟

- حصلت على جائزة الدولة التشجيعية، ثم أخرى تشجيعية عن كتابي «الإيقاعات الشعبية»، كما حصلت على جائزة الدولة التقديرية، وكم هو جميل أن يكرم ويقدر في حياته.

«مع الديكان»... برنامج توثيقي عن مشواره الفني

حرص تلفزيون الكويت على التوثيق لرموز الغناء المحلي، منتقياً أسماء لها ثقلها في الساحة الغنائية، وتركت بصمة واضحة في هذا المجال، وضمن هذا التوجه ارتأى المسؤولون عن التلفزيون عام 2016 توثيق مشوار الملحن الكبير غنام الديكان، الذي اشتهر بتنوع نتاجه الفني، إذ شدا أشهر المطربين بألحانه وحققت أعماله صدى طيباً لدى الجمهور، كما أنه قدم العديد من الأوبريتات الفنية بالتعاون مع وزارة التربية، إضافة إلى أن رصيده الغنائي تضمن الكثير من الأعمال الموجهة إلى الأطفال والناشئة.

«مع الديكان» من إعداده وتقديمه وإخراج نجله بشار الديكان، برنامج يرصد تفاصيل مهمة من مشواره الفني، لاسيما أن نتاجه الغنائي لم يقتصر على الغناء العاطفي، بل شهد تنوعاً في المضمون والشكل، ويرى أن هذا التنوع في النتاج الغنائي يصب في مصلحة الفنان والمتلقي معاً.

هو يرصد مراحل فنية من مشواره، لاسيما مرحلة الهواية إلى تطور هذا الشغف والحب للموسيقى إلى احتراف حقيقي، إضافة إلى ملامح من أعماله مع الفرق الشعبية وعلاقته بالفرق البحرية والبرية وكذلك النهامين والفرق النسائية. كما تطرق إلى علاقته بالفنانين والأدباء، وما نتج عن هذه العلاقة من أعمال ومواقف كثيرة. ويسلط البرنامج الضوء على أبرز ما سمعه وشاهده وقدمه من فنون خلال مشوار ممتد يصل إلى نحو 60 عاماً من الطرب والغناء وما يكتنف العقود الستة من مواقف وأحداث وحكايات وأغنيات ومشاريع فنية، منذ أن بدأ مشواره الفني في 1956 وعرف بالتصاقه بالفنانين القدامى، بسبب عشقه للفن الكويتي الأصيل، فقد عاصر كثيرا من الفنانين القدامى، ومنهم سعود الراشد وعبدالله فضالة ومحمود الكويتي وعبداللطيف الكويتي وعودة المهنا، وكان شاهداً وحاضراً على طرق التلحين والأداء في تلك الفترة.

عبدالله الفرج أول من وضع ألحان الصوت في قالبه المعروف الآن

لا أحد يضاهي ضاحي بن وليد في الصوت القديم

وجدت في ديوان «مذكرات بحار» ما يناسب أجواء النهمة والخطفة

حكاية «خيشة مراويس» هي نكتة علقت بذهن بورسلي
back to top