● شاركت مؤخراً في المؤتمر الأول للحضارة الإسلامية والتراث، حدثنا عن هذه المشاركة؟- المؤتمر فرصة جيدة لتلاقي الباحثين والأساتذة وطلاب العلم لتبادل الأفكار وتنقيحها والاستفادة، ونشر ما هو مهم، ومدى مشاركتي هو التركيز على موضوع مهم، وهو مدى تأثير الحروب على الحضارة الإسلامية والحضارات الأخرى، لأننا نعلم أن الإنسان يفنى عمره في البناء وتشييد العمارة، ثم تأتي حرب فتدمر في يوم وليلة حضارات عمرها آلاف السنين، وتهدم كل ما بناه في فترة طويلة، أو أن نرى بعض الدعاوى الضالة التي يطلقها الإرهابيون بضرورة هدم الآثار والمعابد الآثرية بزعم أنها كانت موطن كفر، أو تتعارض مع الدين الإسلامي، وبالنظر إلى سير الصحابة والتابعين نجد أنهم فتحوا بلاداً كثيرة كانت بها تماثيل ومعابد وأديرة للرهبان ولم يتعرضوا لهذه الآثار بسوء، وحين أسمع عن فتاوى المتطرفين بهدم الآثار أتساءل هل هؤلاء المتشددون أكثر إيماناً من الصحابة؟! ومن هنا نؤكد أن الإسلام دين حمى الحضارات السابقة من الزوال والتدمير، بل حافظ عليها، وكان حارسا عليها، وبكل أسف فإن هذه الدعاوى الشاذة تظهر الإسلام على أنه دين هدم وقتل، وليس دين حضارة وإعمار، وتاريخ الفتوحات خير شاهد على ذلك، فلم نسمع أن الصحابة هدموا معبداً أو حطموا تمثالاً أو أغاروا على شيء يمس حضارة الأمم السابقة.
● هدم الحضارات البشرية أخطر نتائج الحروب... كيف ترى تأثير ذلك على الإنسان من واقع الحضارة الإسلامية؟- المسلمون في عصر الفتوحات كانت لديهم عقيدة راسخة بالحفاظ على الحضارة امتثالا لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): "إذا فتحتم قرية لا تهدموا معبداً أو تقتلوا شيخاً أو طفلا ولا تقلعوا شجرة"، وهنا تظهر أخلاق الإسلام في الحفاظ على الآثار، وقد كان المسلمون عندما يهدمون شيئا ما يقومون بعد ذلك بإعادته مجدداً بأفضل مما كانت عليه، وهناك مثال لذلك حين هدم القائد المسلم حسان بن نعمان الغسانى ميناء قرطاجنة، من أجل منع الرومان من الإغارة على المسلمين، وحين انتهت الحرب عوضهم ببناء مدينة تونس الحالية أجمل بقاع الأرض، هكذا هو الإسلام، لكن حين قامت الحربان العالمية الأولى والثانية هدمتا أغلبية الحضارة الإسلامية في أوروبا، ومشروع "مارشال" خير شاهد، والذي اهتم بإعادة الحضارات وغض الطرف عن الحضارة الإسلامية، وكأن هذا الأمر كان متعمداً.● المتطرفون دائما عندما يهاجمون المجتمع يدعون لهدم الآثار ورفض الصور والفنون... لماذا ينفذ الفكر المتطرف من هذه الأبواب؟- الإرهاب عندما يظهر في مجتمع من المجتمعات يبحث أولاً عن اللمسات الجميلة، وعن الفنون التي تنير الطريق أمام الشعوب، وهذه اللمسات الجميلة هي لمسات الحضارة والفن، لذلك يأتي الإرهاب أولا لهدم ذوق الأمة الإسلامية ومشاعرها، الأمر الثاني أن الإرهابيين عندما يقومون بتجنيد الشباب يدخلون لهم من باب أن الغناء حرام، والفن إجرام، والعمارة من مفاسد الأمة، وهي أمور لا توافق الدين، ويضللون الشباب المسلم ببعض النصوص المغلوطة والخاطئة، ويستقون أحكاماً ليست من الإسلام، مع العلم أن العام الأول الهجري كانت به موسيقى وطرب وغناء، ولم يحدث أن ثار المتشددون عليهم.● الذوق العام لدى المسلمين اليوم في تدهور شديد فما السبب؟- أي تدهور تمر به أية أمة له وجهان، الأول هو الإرهاب كما قلت، والثاني هو شيوع الفن المبتذل، وهو الذي يعطي للمتطرفين الحجة في الثورة على الفن، فمثلا عندما كان الفن في النصف الآخر من القرن الماضي راقياً، كان المغنون يشدون بقصائد المدح من العصور الجميلة أو القصائد النبوية، ولم نسمع يوماً بأحد هاجمهم، وحين بدأ الإرهاب في الظهور بدأت الحرب الأولى على الفن، وأقول إن الفن المبتذل الذي يشاع بين المسلمين اليوم دليل على تأخرهم، فالفن الراقي أحد أركان الحضارة الإسلامية.● لماذا تاهت الثقافة الإسلامية في ظل الحداثة والعولمة التي نعيشها اليوم؟-لأنه للأسف جاء تيار غربي كاسح بدأ منذ أيام الاستعمار، واستمر تأثيره إلى ما بعد الاستقلال، فقد كانوا يريدون محو الثقافة الإسلامية التي أبهرت العالم ويطمسون كل ما هو إسلامي، رغم أنهم طبقوا حضارتنا بكل تفصيلاتها، فقاموا بإنشاء بديل لكل ما هو إسلامي... فن بديل، موسيقى بديلة... ثقافة مغايرة لواقع عقيدتنا، واستخدموا المتطرفين والمتشددين منا لمحاربة ثقافتنا الإسلامية.● السياحة الدينية مازالت غائبة عن مسلمي اليوم، فلم نعد نعرف عن حضارتنا إلا عن طريق الكتب، فما السبب برأيك؟- هذه حقيقة، لأن القائمين على أمر السياحة الدينية والإسلامية في بلداننا العربية لا يحسنون عرض بضاعتهم، ولا الترويج لها، بل أحيانا سياستهم ضد ذلك، فحين تذهب لزيارة أي متحف إسلامي لا تجد أي اهتمام أو إرشاد، أو توافر معلومات، إلى جانب أن ثقافة المسلمين اليوم لا تعرف شيئا اسمه السياحة الدينية، رغم أن البلاد العربية مليئة بالمساجد والآثار الإسلامية، لكن كل هذا مهمل، وأتعجب كثيراً من أن هناك دولا لا تملك 1 في المئة من حضارتنا وتقيم لها المتاحف وتعتني بها وتروج لها ويذهب إليها الملايين، ونحن نملك ثروة حضارية كبيرة كانت لها الفضل على كل الحضارات التي تلتها، ولا نحسن التعامل معها.
توابل - دين ودنيا
أستاذ الحضارة والفنون الإسلامية في جامعة الأزهر الدكتور عبدالغني زهرة لـ الجريدة.: غياب السياحة الدينية دليل على تراجع الذوق العام للمسلمين
10-06-2017