كيف جاءت فكرة رواية «سرابيط الخادم»؟

شكّلت مصادر عدة فكرة الرواية، أولها يرتبط بذكريات من الطفولة، إذ يقع المعبد اليهودي بالقرب من منزل أسرتي في حي مصر الجديدة، وتشكّل في عقلي كل ما يمكن وصفه من غموض وفزع، ثم جاءت مطالعاتي عن اليهود وأضافت رافداً آخر، إلى جانب رحلة عملي في عالم الصحافة الذي مكنني من اقتحام عوالم غرائبية كثيرة، والتعرف إلى نوعيات مختلفة من البشر. يمكن القول إن «سرابيط الخادم» اكتملت في ذهني، عندما كنت أعمل على كتابي «السلطان والمعبد»، وكنت مستغرقة في الكتابة عن معبد موسى ابن ميمون الذي يقع في حارة اليهود، وفيه غرفة تسمى «غرفة الشفاء»، وكان يبيت فيها المرضى تحت رعاية الحاخامات، ويشفون ببركة الحاخام المقدس.

Ad

هل يعد كتابك «أئمة الخفاء في الآديان» إرهاصة للكتابة الروائية؟

كان الكتاب البوابة الأولى لعبوري واستغراقي في عالم المذاهب والفرق، بكل ما تحتوي عليه عوالمهم من إثارة وغرابة، واهتممت بفكرة استخدام الدين من أجل الوصول إلى السلطة والثروة من خلال رجال لهم قدرة على التأثير في الآخرين. وفي كتابي الثاني الذي توقفت في منتصفه «السلطان والمعبد»، وأعتبره الجزء الثاني لـ«أئمة الخفاء»، أبحث أيضاً في استخدام الدين، ولكن هذه المرة في التحالف بين الحاكم والكاهن.

ما ضرورة تضمين الرواية فقرات من مراجع تاريخية؟

ليست ضرورة، بل فرضت ذلك أحداث الرواية، وتنقلها بين فترات تاريخية مختلفة، فضلاً عن أن الحدث في «سرابيط الخادم» يستدعي حضور التاريخ بشكل واضح، وهو تحرّك مع «يوسف»، بطل الرواية، بين بلدان عدة تنقّل فيها ليحقق هدفه، وأصبح في ما بعد السر الذي يطارده وتسبب في مقتله. والتاريخ في الرواية لا ينفصل عن الحاضر.

كيف تنظرين إلى الاستغراق في وصف الأمكنة وتاريخها؟

جزء من سحر الرواية أنها تجعل القارئ يعيش في أماكن أبطالها، ويتحرك معهم، والأماكن التاريخية هي جزء من أحداث «سرابيط الخادم» وسياقها طبيعي، وكم من رواية قرأناها ونقلتنا إلى أماكن، وجعلتنا نتعرف إليها دون أن نزورها!

الخطط الصهيونية

ما الجديد الذي تطرحه «سرابيط الخادم» عن تاريخ اليهود في مصر؟

تلقي الرواية الضوء على فترة تاريخية، كان يعيش فيها اليهود المصريون كمواطنين لهم واقع اجتماعي وسياسي واقتصادي معين، ولبعضهم طموحات وأهداف سياسية، مرتبطة بجزء من العقيدة اليهودية وحلم العودة إلى الأرض الموعودة التي أصبحت في ما بعد فلسطين، ورفض بعضهم فكرة قيام دولة إسرائيل، ومن بينهم «يوسف» الذي ظلّ على ديانته ولم يغادر مصر. حتى عندما تورّط بدوافع دينية في مؤامرة دفن الآثار المزيفة، تراجع عندما اكتشف أنه على خطأ، وهو أمر كنت مهتمة بأن أظهره، لأنني أعتقد أنه لا يمكن وصم البشر جميعاً بصفات واحدة.

بم تعلقين على الإدانة الجاهزة لرواية تتناول شخصيات يهودية؟

لا أعتبرها إدانة، إنما هي وجهة نظر، وأعتقد أن الرواية تلقي الضوء على قضية شديدة الأهمية، وهي الخطط الصهيونية لمحاولة إيجاد تاريخ لهم في البلاد العربية، يعطيهم حق الإدعاء بأنهم جزء من تلك الدول، وليسوا مجرد عابرين.

ما دلالة تورّط شبكة تهريب الآثار والمافيا بمقتل اليهودي المسن؟

أؤمن بنظرية المؤامرة، وأسعى إلى إثبات وجهة نظري بهذا التداخل المربك بين شبكات تجارة الآثار والرقيق الأبيض والسلاح والمخدرات، لأنها أدوات للسيطرة على مقدرات أي شعب، وفي الرواية نرى أن هذا التشابك كله يصبّ في النهاية في مصلحة إسرائيل.

هل يحتمل العمل الروائي هذا التداخل بين الواقعي والتاريخي والأسطوري؟

ما نراه أسطورياً وتاريخياً في الرواية، هو في واقع الأمر جزء من الواقع الذي نعيشه، ولا توجد أسطورة أتت من الفراغ، فكل الأساطير لها دائماً ظل من الحقيقة.

ثمة نهاية مفتوحة للرواية، فهل سيتبعها جزء ثان؟

اخترت أن يضع القارئ النهاية التي يرغب فيها، وبالنسبة إلي لا نهاية لحدود المؤامرة. أما الجزء الثاني، فسأطرحه إذا شعرت بأن شخصيات الرواية ترغب في أن تقول لي المزيد.

صحافة وأدب

كيف تفاعلت «سرابيط الخادم» مع خبراتك في مجال التحقيقات الصحافية؟

جعلتني التحقيقات الصحافية أغوص في مكونات المجتمع، بحكاياته وأساطيره وغرائبه ومشكلاته، فما رأيته يفوق كثيراً ما نقرأه في الروايات. مكنني هذا المجال من التعامل مع الشخصيات التي ربما يراها البعض أسطورية أو خرافية، وأذهب إلى أماكن لا علاقة لها بواقع الحياة الذي نعيشه.

هل يتعارض العمل الصحافي مع التفرغ لكتابة عمل أدبي أو بحثي؟

من يتعامل مع العمل الصحافي بصدق وحب، سيصنع لنفسه نواة تمكنه من أن يكتب عملاً أدبياً أو بحثياً في أحد الأيام، ولكن هذا الأمر يأخذ من العمر سنوات طويلة، لا سيما في خضم مهنة المتاعب، ولكنها بكل تأكيد تؤهل الصحافي ليسكب على الأوراق خلاصة خبرته في الحياة.

كيف تنظرين إلى جيل محفوظ وإدريس وتأثيره في الأجيال اللاحقة؟

من لم يقرأ لجيل نجيب محفوظ ويوسف إدريس، فهو لم يتعرف إلى طعم متعة القراءة. أتمنى للأجيال اللاحقة أن تدرس في سنوات المدرسة أعمالاً مختارة لكتابنا الرواد كي تتعرف إلى عبقرية الإبداع وإلى أعمال أدبية رفيعة المستوى تكفلت بحفظ التراث والقيم.

ما رأيك في ازدهار حركة النشر الروائي خلال السنوات الأخيرة؟

أتمنى أن تصدر في اليوم الواحد عشر روايات ومئة كتاب، فكل ما يكتب رائع، والكلمة المكتوبة يكتب لها الخلود، وكثرة الكتابة تعطينا الأمل في وجود القارئ، وتبقى القراءة الأمر الوحيد القادر على تشكيل الوجدان.