نصير شمة: درّبت راغبي تعلّم العزف على العود وعمري 12 عاماً (1-2)

عقب ظهوره الأول كتب عنه النقاد: نجم جديد يسطع في سماء الموسيقى العربية

نشر في 11-06-2017
آخر تحديث 11-06-2017 | 00:05

لم يمنعه صغر سنه من العزف على آلة العود، فقد ولد الموسيقار نصير شمة وكأن في يده ريشة يعزف بها على أوتار العود ويجيد التنقل برشاقة وخفة، ففي الخامسة من عمره بدأت تجذبه الأنغام الصادرة عن العود، فكان يلبي نداء القلب والوجدان متتبعا تلك الموسيقى التي يطرب لها، وبعدما استقرت هذه الأنغام في خياله واستحوذت على تفكيره، أراد أن يدندن على العود، فبحث عن آلة يستطيع أن يضعها بين ذراعيه، فتعذر ذلك بسبب ضآلة جسمه وصغر سنه، لكنه بقي وفياً للحب الأول، واحتفظ بحلمه منتظرا مرور الأعوام بفارغ الصبر.

وحينما اشتد ساعده وبلغ الحادية عشرة، أيقن أن تحقيق الحلم بات وشيكا، وفي أثناء الفرحة التي اجتاحت مشاعره، فوجئ برفض أستاذ الموسيقى انخراطه في التدريب على العزف، متعذرا بأن الطفل الصغير نصير لن يستطيع إجادة العزف.

ولأن نصير كان قوي الشكيمة ولا ينقصه الجلد والمثابرة ومتشبثا في حلمه قَبِل دخول التحدي، ليثبت للأستاذ صاحب حسين الناموس أن حكمه لم يكن صائبا، وأنه جدير بالثقة وسيتقن العزف في فترة وجيزة.

في الحلقة الأولى من حواره مع «الجريدة» يستذكر الموسيقار نصير شمة المراحل الأولى من مشواره الفني، مقدما ملامح من طفولته وبدايات تعلمه العزف على آلة العود.

ويشير إلى أنه حينما بلغ الثانية عشرة أظهر كفاءة كبيرة في العزف، فبدأ يدرب الراغبين في تعلم العزف على آلة العود من الإناث والذكور، وفيما يلي التفاصيل:

• متى بدأت موهبة العزف على آلة العود تظهر بشكل واضح لديك؟

- بدأت أحلام اليقظة منذ نعومة أظفاري، ففي الخامسة من عمري بدأت أحلم بالعزف على العود، لكن أحلامي اصطدمت بعدم توافر آلة العود أستطيع التدريب عليها، لتعذر وجود آلة عود صغيرة تلائم صغر سني، إذ كنت آنذاك لا أستطيع حمل العود بيدي، وحينما خُيرت في تعلم العزف على آلة أخرى رفضت وتمسكت برغبتي، بالرغم من صغر سني، لكن كنت مصرا على تعلم العود، واستمر عزوفي عن التدرب على أي آلة أخرى نحو 6 أعوام، وحينها أصبحت في سن 11 عاما اعتقدت أني أستطيع تعلم العزف، كما أن جسمي اشتد قليلا، وصار باستطاعتي الإمساك بآلة العود والعزف عليها، ولا أذيع سرا إن قلت إن التدريب كان صعبا، لكن ثمة رغبة كبيرة تدفعني إلى تحقيق هدفي والنجاح في العزف على آلة العود، وأذكر المرة الأولى التي شاهدت فيها العود حينما كنت في الفصل الخامس الابتدائي، وجاء مدرس التربية الموسيقية متأبطا عوده فكان هذا اللقاء الأول، وشعرت حينها أن أحلامي اقتربت مني، وستكون حقيقة في الأيام المقبلة، وفي هذه الأثناء حدثت مفاجأة لم تدر في خلدي.

• ما الذي حدث؟

- رفض المعلم تدريبي على آلة العود في البداية، وأخبرني أنه لا يستطيع تدريبي لأني مازلت صغيرا، وآلة العود للكبار فقط، وشعرت حينها بالضيق والألم، لكن هذا الأمر لم يثبط من عزيمتي بل زادني إصرارا على بلوغ هدفي، ومما سهل المهمة أن الأستاذ صاحب حسين الناموس كان صديقا لأخي الكبير، فرحب بانضمامي إلى فصل التدريب، وهنا أتذكر موقفا طريفا، فالأستاذ صاحب الناموس قَبِل تدريبي، لأنه ظن أني لن أتقن العزف وحرص على تدريبي أسبوعا كاملا لإثبات أني لا أستطيع تعلم العزف، لكن النتيجة كانت باهرة جداً وجاءت على عكس توقعاته، لأني أتقنت العزف، وعقب مرور عام بدأت أدرب الراغبين في تعلّم العزف من الإناث والذكور.

• بعد تلقيك دروس تعلم العزف على آلة العود وإتقانك العزف، هل كنت تُمارس العزف في الحفلات أو الجلسات الخاصة ؟

- لم أكن أرغب بالعزف في أمكنة خاصة كالجلسات بين الأصدقاء أو الأهل، وهذه الرغبة تنبع من مبدأ أن العزف على آلة العود مكانه المسرح، لذا رفضت الكثير من الدعوات في هذه الأمكنة، وعقب إتقاني العزف انتقلت إلى الدراسة الأكاديمية للموسيقى، فقررت دراسة آلة البيانو، إلى جانب دراسة التأليف الموسيقي، وخلال الدراسة لاحظت أن البيانو آلة صوتية كاملة وفيها انسجام صوتي هارموني، بينما آلة العود فقيرة قياسا مع مميزات البيانو، لذلك استوقفني هذا الأمر كثيرا، وبدأت التدقيق جيداً في الآلتين للخروج بنتائج عملية تفيدني في ما أنا مقدم عليه.

إمكانات العود

• هل عدت إلى استكمال دراسة آلة العود؟

- نعم قررت إيقاف دراستي للبيانو وعدت إلى دراسة آلة العود، وعملت على تطوير إمكاناتي، إضافة إلى تطوير صوت آلة العود، وثابرت في هذا المجال عدة أعوام، وحرصت على إظهار العود على أنها آلة متكاملة، ومن المعروف أن آلة العود لا تصلح لأن تكون "صوليست"، وهنا أريد أن أذكر كلمة حق بشأن العازفين الراحلين شريف محيي الدين، ومنير بشير، وجميل بشير، وسلمان شكر، الذين عملوا على إظهار كل إمكانات العود، لذلك تميزوا في عزفهم وتركوا بصمة في مشوارهم.

• حصلت على جائزة أفضل لحن للأغنية العاطفية بالعراق، حدثنا عن هذه الأغنية وأجواء المنافسة.

- كانت المسابقة ضمن برنامج اسمه "أصوات شابة"، وكان يقدمه ملحن كبير اسمه فاروق هلال، ومن المعروف لدى العراقيين أن البرنامج شكل حالة فنية فريدة آنذاك، وحقق أصداء كبيرة واستقطب معظم الفنانين الموهوبين من فئة الشباب في تلك الفترة، وفي النسخة الأولى من البرنامج طلب مني الملحن هلال المشاركة في البرنامج، وقدمت لحنا في المسابقة، وأذكر أن الأغنية فازت بـ4 جوائز في البرنامج، وهي كالتالي: أفضل لحن وأفضل كلمات وأفضل أغنية جماهيرية وأفضل أداء.

• ماذا كانت تعني لك هذه المشاركة والتتويج؟

- مشاركتي كانت نوعا من التحدي لإثبات قدرتي على تقديم ألحان شجية، وفي النسخة الثانية من البرنامج أيضا شاركت وحصلت على جائزة للمرة الثانية على التوالي، وعقب ذلك بدأت أعمل في اتجاه آخر وقدمت الموسيقى التصويرية للمسلسلات والأعمال السينمائية الروائية والوثائقية في العراق، وكذلك المسرح أو التلفزيون، وبدأت تتسع دائرة الأعمال عقب كل نجاح أحققه، ووجدت متعة كبيرة في الموسيقى التصويرية والأمسيات الموسيقية.

الظهور الأول

• ما أول حفل أحييته في العراق، وما الفرق بينه وبين حفلك الأول في فرنسا؟

- أول حفل في العراق كان في قاعة الأورفلي، وهي قاعة للفنون التشكيلية وبمنزلة مركز ثقافي يجتمع فيه عدد كبير من المثقفين ومجموعة من المبدعين من كل التخصصات الفنية والأدبية، ونظرا إلى تكرار زيارتي إلى القاعة أصبح لدي صداقات كثيرة مع التشكيليين والمثقفين، وهذا انعكس إيجابا على طريقة تعاملي مع هذه الأعمال الفنية التشكيلية والنحتية، وفي تلك الفترة أصبحت قريبا من التشكيليين بشكل كبير، وأكاد أجزم بأن علاقتي توطدت بهم ربما أكثر من الموسيقيين وبقية الفنون.

وبصراحة كنت أشعر أن الخطاب التشكيلي الأقرب إلى نفسي، لاسيما أننا في العراق لدينا عدد من الفنانين التشكيليين المرموقين ويقدمون أعمالا فنية تستند إلى فلسفة عميقة وثقافة موسوعية، وكنت أشعر بالمتعة حينما أناقشهم بأعمالهم وأتبادل معهم الرؤى والأفكار والتحليل الموضوعي لمفردات العمل الفني.

وكان الحفل الأول لي في العراق بدعوة من الفنانة وداد الأورفلي، وهي صاحبة قاعة الأورفلي، والآن تعيش في عمان ولديها قاعة هناك، وكان الحفل هو الأول والرسمي لي لإعلان مشروعي في العزف على العود، وبصراحة كانت تجربة مهمة بالنسبة إلي، فقد أخذت مني وقتا طويلا في الاستعداد والتدريب، لاسيما أني كنت شابا في مقتبل العمر، ولم أكت تجاوزت العشرين عاما، وعلاوة على ذلك كانت الإطلالة الأولى لي، التي سيقيمني على إثرها النقاد والجمهور.

وأذكر أني قلت قبل بدء العزف موجها كلامي للحضور: أنا أستطيع أن أقدم لكم كل ما تحبونه من ألوان العزف الكلاسيكية والتقاسيم والشرقيات، لكن لن أقدم لكم هذه الألوان، بل سأدشن فكرا جديدا لعزف آلة العود، ولفت كلامي الجريء النقاد، وعقب الحفل الذي استحسنه الحضور واتسم بالانضباط والدقة، أشاد النقاد بالحفل، لاسيما أن حديثي كان مطابقا لعزفي، بمعنى أن الحديث التنظيري جاء منسجما مع الجانب العملي أو الأداء.

وأذكر أحد أهم النقاد في العراق آنذاك، وهو سعاد الرمزي، كتب عني بشكل جميل جدا، وقال: "نجم جديد يسطع في سماء الموسيقى العربية".

أما الحفل الثاني لي فكان في باريس، وجاء عقب أشهر من هذا الحفل، وقدمت مقطوعات جميلة مدتها نحو ١٣ دقيقة فقط، لكن هذه الدقائق كانت مهمة بالنسبة إلي، لأنها جاءت ضمن فعالية فنية للمجالات السمعية في العراق، وأقيمت في فرنسا، فكانت دفعة معنوية جميلة وتجربة ثرية استفدت منها الكثير.

جوائز تقديرية وتكريمات خاصة من مختلف دول العالم

حصل نصير شمة على العديد من الجوائز التقديرية والتكريمات، وقدم العديد من العروض الموسيقية في العديد من دول العالم. فكانت البداية من بلده، إذ فاز في جائزة أفضل لحن عاطفي في العراق عام 1986، وعقب ذلك بعامين حصل على جائزة أفضل موسيقي عربي في مهرجان جرش، ولقب بزرياب الصغير في هذا المحفل.

وفي العام ذاته، كرمته نقابة الفنانين العراقيين وأعقب هذا التتويج تكريم آخر في عامين 1989 و1990. ونال شمة جائزة المعهد العالي للموسيقى في الدورة الخامسة لأيام قرطاج المسرحية لأفضل عمل موسيقي مسرحي عن مسرحبة قصة حب معاصرة 1991.

وفي المغرب حصل على وسام مدينة أغادير في عام 1992، وفي العام ذاته حصل على درع رمز النضال الفلسطيني في احتفال يوم الأرض في تونس.

وفي عام 1994 حصل على ميدالية مدينة باليرمو الإيطالية، وعقب ذلك بعام نال تكريما خاصا من كلية الآداب بجامعة سوسة. ونال من مهرجان القاهرة للإبداع الشعري بمصر ميدالية المجلس الأعلى للثقافة في 1996، كما حصل على ميدالية متحف طه حسين بمصر 1998، وسام الأكاديمية الملكية البريطانية 1998. شهادة تقدير من المجمع العربي للموسيقى بالأردن للتحكيم في مسابقة العود الدولية الأولى عام 1999، وحصل شمة على مجموعة جوائز وتكريمات أخرى منها:

• درع قسم دراسات الشرق الأوسط بالجامعة الأميركية بالقاهرة عام 2000.

• الجائزة التقديرية من المجمع العربي بإيطاليا عام 2000.

• شهادة شكر وتقدير لاحتفالية علم وإعلام الدورة الأولى للاحتفال لسلطان العود المغربي سعيد الشرايبي بالمغرب عام 2002.

• جائزة الإبداع من مؤسسة العويس الثقافية بإمارة دبي بدولة الإمارات العربية عام 2003.

• شهادة تقدير من مديرية الثقافة بولاية عنابة في الجزائر وميدالية الذكرى الخمسين لثورة التحرير الجزائرية عام 2004.

• شهادة تقدير من منظمة الصحة العالمية - المكتب الإقليمي للشرق الأوسط / بيروت عام 2005.

• جائزة مهرجان الفيلم العربي / روتردام بهولندا عام 2007.

• جائزة لجنة تحكيم مهرجان بيونس أيريس السينمائي الدولي بالأرجنتين عام 2007.

• جائزة الإبداع الفني عن مؤسسة الفكر العربي وتبرع بقيمة الجائزة بالكامل لدعم تعليم وعلاج الأطفال العراقيين عام 2009.

• جائزة الإبداع للمرة الأولى عن مجمل أعماله ومسيرته الفنية بمعرض الكتاب الدولي بالقاهرة عام 2010.

• جائزة مهرجان استانبول الدولي الأول عن مجمل أعماله ومشاركته في إثراء المهرجان عام 2010.

• جائزة المهرجان الثقافي الدولي الأول بقسطنطينة بالجزائر عام 2010.

لم أكن أرغب في العزف خلال الجلسات الخاصة لأني متيقن أن العود مكانه المسرح

أول حفل في العراق كان في قاعة الأورفلي وظهوري الأول خارجياً كان بفرنسا

مشاركتي في برنامج «أصوات شابة» كانت نوعاً من التحدي لإثبات قدرتي على تقديم ألحان شجية

المعلم رفض تدريبي على آلة العود في البداية وأخبرني أني مازلت صغيراً
back to top