الاجتهاد... سر انتشار الإسلام
الاجتهاد في الفقه الإسلامي وفروعه، هو الذي جعله ديناً يواكب كل الأزمنة والأمكنة، والاجتهاد هو الذي جعل الإسلام ينتشر ويسود العالم، ولو وقف الاجتهاد بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، لكانت نهاية الإسلام بوفاة النبي الكريم.هذا ما تناولته طبعة جديدة من كتاب "الاجتهاد" صدرت حديثاً في القاهرة، للإمام محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر السابق، والتي يقدمها محققةً المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة.ويؤكد عمارة أن هذا الكتاب يهتم بالدفاع عن حق العقل المسلم في الاجتهاد، وفي معارضة إغلاق بابه، ومعارضة الجمود عند ظواهر النصوص دون مراعاة لما يستجد من المصالح والأعراف، ومعارضة الجمود الذي يقف عند اجتهادات القدماء التي ارتبطت بزمان غير الزمان.
وفي هذا الكتاب نرى أن الشيخ المراغي مجتهداً إن لم يكن بالمعنى المطلق، فمعنى الاجتهاد الذي ينظر اجتهاد المذاهب الفقهية جميعاً، ويوازن بينها، ويرجح ما يراه في هذه الاجتهادات، ثم إنه مجتهد فيما استجد في الواقع الحياتي المعيش، وكيف أنه تجلت إحاطة الإمام المراغي بمصادر الفقه الأساسية، مما يؤكد أن واقعنا اليوم تسوده الحسرة على علمائنا في هذه الأيام. وهنا يرى محقق الكتاب د.عمارة أن البحث في الاجتهاد هو مجرد إشارات كاشفة لمعيار "الحياة والإحياء" للفقه الإسلامي، والذي تمثل غيبته "الموت والموات" لعقلنا الفقهي.ويعرض الكتاب أن الشيخ المراغي وضع المدارك المثمرة للأفكار الفقهية في الكتاب والسنة والإجماع والعقل، وأكد أن الاجتهاد منه المطلق ومنه الاجتهاد في المذهب، وحذر المراغي من الأقوال التي تنادي بغلق الاجتهاد لأنه أمر خاطئ، وهناك إمكانية وجوب للاجتهاد، لأن غلق باب الاجتهاد غلط تأباه قواعد الأصول.ويضع الشيخ المراغي شروطا للاجتهاد الجزئي سهلة، فليس على فريق الاجتهاد في مسألة من مسائل البيع والطلاق إلا أن يعرف آيات البيع والطلاق، وأحاديث الطلاق ويعرف ما نسخ منها وما بقي، ويعرف مواقع الإجماع ليتجنب المخالفة، بعد أن يكون على بصيرة في فهم اللغة وفنون المنطق والكلام وآراء الفقهاء.ويوضح المؤلف أن التشريع الإسلامي به مرونة في الأحكام تسع الناس عبر الأزمان والأمكنة، وفيه توسع للخيارات أمام العقل الفقهي، لأن من آليات المرونة القول بالضعيف ومراعاة متغيرات الزمان والمكان، واختلال الأعراف والمصالح، وما ضاق على الناس أمر إلا اتسع حكمه.كما تناول المحقق مطالبات الشيخ المراغي بإصلاح الأزهر وتعرضه للاجتهاد المطلق والخاص ومسائل التقليد، وقضاء القاضي وفتواه بخلاف مذهبه واجتهاد السلف من العلماء، وكذلك التقليد بغير دليل والاجتهاد في المذهب، وتفسير الأحكام بغير إجماع.