يحظى شهر رمضان في الكويت بمذاق خاص ورونق مختلف، وتأتي الجلسات العائلية والسهرات الرمضانية على قائمة الخصوصية الكويتية لرمضان، ومن التجمعات العائلية والشبابية على الشواطئ وممارسة رياضة المشي قبيل الإفطار، إلى القرقيعان والتجمع في الديوانيات وحفلات الإفطار الجماعي.الى جانب هذه الطقوس الرمضانية، ثمة قائمة طويلة من الموروثات التي لاتزال تفاصيلها تعلق في ذاكرة الكثيرين حول أجواء الشهر الفضيل ولذته التي باتت تبهت شيئا فشيئا مع التقدم الذي تشهده البلاد على مختلف الصعد، والذي توسع على حساب الموروثات الثقافية والاجتماعية.
وتعد موائد الرحمن سمة مميزة للشهر المبارك، حيث تقام في العديد من مساجد الديرة، وتقدم فيها مختلف أنواع الطعام والشراب للفقراء والمحتاجين طوال الشهر الكريم.ولمدفع رمضان مكانة خاصة لدى الكويتيين، حيث يجري الاحتفال بإطلاقه يوميا قبيل الإفطار، وسط بهجة وفرحة من المواطنين المجتمعين حوله.وغابت أخيرا شخصية "أبوطبيلة" أو "المسحراتي"، الذي كان في الماضي إحدى علامات رمضان في البلاد، حيث يجوب الشوارع هاتفا: "لا إله إلا الله محمد رسول الله.. اصح يا نايم وحّد الدايم"، ليوقظ الناس لتناول السحور."الجريدة" جالت في الشارع الكويتي لرصد الأجواء الرمضانية والاختلافات بين رمضان الماضي والحاضر.
سهرات المباركية
في البداية، قال عبدالله المطيري (مشرف بوزارة التربية) إن بعض أصدقائه يفضلون التجوال في المجمعات بعد الإفطار، إلا أنه اعتاد السهر في مقاهي المباركية لما يجده فيها من راحة واستئناس بالمظاهر التراثية بعيدا عن صخب المجمعات، مطالبا بضرورة الاهتمام بالسوق ونظافته، كما طالب بتوفير "مراوح" لترطيب الأجواء، مبينا أن أفضل شيء في رمضان هو التواصل مع الأهل والأصدقاء الذين انقطع الاتصال بهم منذ زمن. كما اشتكى من الغلاء الذي زاد هذا العام عن سابقيه بشكل ملحوظ.وأكد المطيري أنه يفتقد شخصية المسحراتي أو "بوطبيلة"، الذي كان يجوب الشوارع ويوقظ الناس لتناول السحور، لما كان يضيفه من بهجة وروح للشهر الكريم، مضيفا أن "بوطبيلة" واجتماع الناس حول المدفع قبيل الإفطار طالما شكلا أجواء جميلة نتمنى أن تعود من جديد، لتعيشها الأجيال الحالية التي سرقتها التكنولوجيا من ماضيها الجميل".عادات زمان
ويقلل خالد الردعان (موظف) من تغيير العادات الرمضانية، فيشير الى أن معظم التقاليد لاتزال على حالها، لاسيما لجهة ما يحويه رمضان من جو ديني وروحاني، حيث تستمر الزيارات بين الأهل والأقارب، ويتم تبادل التبريكات بقدوم شهر الخير، وتفتح الدواوين أبوابها لاستقبال المهنئين، كما تتجه جموع المواطنين إلى دواوين الأسرة الحاكمة، فيما يتجه البعض إلى الأسواق والمقاهي خلال الفترة المسائية للتسلية.وذكر أنه يقوم بممارسة رياضة المشي في فترة قبل الإفطار، موضحا أن الناس قديما كانوا يقضون هذا الوقت من اليوم على شاطئ البحر، للهروب من درجات الحرارة المرتفعة.وأوضح أن لموسم القرقيعان الذي يكون في منتصف الشهر مكانة خاصة لدى الكويتيين، وهو عادة قديمة توارثتها الأجيال على وقع الأهازيج التراثية "قرقيعان قرقيعان بيت قصير ورميضان.. عادت عليكم صيام كل سنة وكل عام".شهر الخير
من جهته، يقول عضو مجلس إدارة رابطة الاجتماعيين الكويتيين، عادل المشعل، إنه ينتظر الشهر الفضيل بفارغ الصبر، فهو فرصة للعبادة وعمل الخير والتقرب إلى الله وصلة الرحم، معترضاً على من يعتبره شهرا استهلاكيا للطعام والمشروبات.وأشار إلى الناس بدأوا يدركون مجددا قيمة العلاقات الإنسانية، بعد أن قل الاهتمام بها في الفترة الأخيرة للانشغال بالأعمال وتغير طبيعة حياة المواطنين عما كانت عليه في الماضي.لذة مفقودة
بدوره، يقول الحاج كمال الأحمدي: أفتقد لذة الشعور برمضان التي كانت موجودة في السابق، حيث الألفة والمودة وانشراح الصدر والإقبال على أداء العبادات، كما كانت الزيارات العائلية والسهرات ركيزة أساسية من ركائز الشهر، بما يتخللها من تبادل أطراف الحديث والنكات وحكايات الأجداد التي تجمع بين التسلية والحكمة، إضافة إلى المقاهي الشعبية التي كان بها متعة واستئناس تفوق متعة المولات الحديثة والفنادق الـ 5 نجوم. أما في الوقت الحالي فأجواء رمضان تغيرت بتغير العادات، حيث انشغل الناس بمواقع التواصل والتجوال في المجمعات التجارية، وحلت المطاعم محل اجتماع العائلة على مائدة الإفطار.الوافدون... سعادة ناقصة وحنين إلى الأوطان
يعيش الوافدون فرحتهم بشهر رمضان وبداخلهم حنين للأهل، ويقول محمد حشمت (مصري)، بالرغم من جمال رمضان في الكويت وتشابه العادات مع مصر، فإن الحنين يشدني إلى تناول الفطور مع أهلي على مائدة واحدة.بدوره، يؤكد محمود الطيب (مصري) إنه يحاول استرجاع الأجواء العائلية من خلال التجمع مع أصدقائه وتناول الإفطار في أحد المطاعم أو الحدائق المفتوحة، إلا أن شعورك وأنت على مائدة العائلة لا يضاهيه شعور آخر.ويرى علي مصطفى (سوري)، أن السنوات الطويلة التي قضاها في الكويت لم تنسه ذكريات رمضان في بلده الأم. وأشار إلى أن الشىء الذي يقلل من فرحته برمضان هو غياب الجو العائلي، وغربته عن وطنه الذي لا يعوضه أي شيء.