طرح هذا السؤال نفسه في جلسات المجلس الأخيرة، عندما أثار النائب المحترم رياض العدساني مسألة عدم رد الديوان على أسئلته التي طلب فيها تزويده بمعلومات يراها ضرورية في الاستجواب الذي يزمع تقديمه إلى رئيس مجلس الوزراء.ولئن كان الديوان قد امتنع عن تزويد النائب العدساني بالمعلومات التي طلب تزويده بها لاستخدامها في الاستجواب الموجه إلى سمو رئيس مجلس الوزراء، لحرصه على حياد الديوان بين السلطتين، فإنه لا ريب أمر يحمد، أما إن كان باعثه ولعاً باللدد في أمور كان مجلس الأمة قد فرغ منها بقراره الصادر بجلسته المعقودة بتاريخ 26/ 12/ 2005 بأحقية أعضاء المجلس في أن يطلبوا من خلال رئيس المجلس أي بيانات أو معلومات أو مستندات عن سير العمل في ديوان المحاسبة، وأن على رئيس الديوان الاستجابة لهذه الطلبات، فإنه يكون تحريفا للكلم عن موضعه.
رأي لجنة حماية المال العاموقد أحال رئيس مجلس الأمة الراحل السيد جاسم الخرافي مذكرة الديوان، السالفة الذكر، التي تضمنت أسباب اعتراضه على قرار المجلس إلى لجنة حماية المال العام التي عقدت اجتماعاً بتاريخ 14/ 2/ 2016 وحضر جانباً منه كل من النائبين أحمد يعقوب باقر، وعبدالواحد محمود العوضي، كما حضر بدعوة من اللجنة خمسة ممثلين عن الديوان، على رأسهم السيد عبدالعزيز الرومي وكيل الديوان السابق، فضلاً عن وكيل الديوان الحالي السيد إسماعيل الغانم.وفي ضوء المناقشة التي تمت انتهت اللجنة بإجماع آراء الحاضرين من أعضائها إلى أحقية أعضاء مجلس الأمة في أن يحصلوا بواسطة رئيس المجلس على أي بيانات أو معلومات أو مستندات تتعلق بسير العمل بديوان المحاسبة، وأن على رئيس الديوان الاستجابة لهذا الطلب، وأن يتم ذلك من خلال مكتب المجلس.وقد وجه الدكتور فهد الخنة رئيس اللجنة كتاباً بتاريخ 18 فبراير 2006 إلى السيد رئيس المجلس ضمنه رأي اللجنة والأسباب التي بني عليها، وقد أحاله الرئيس إلى مكتب المجلس.لا أحد فوق الدستورلم يكن النائب رياض العدساني هو أول من أثار هذه القضية، فقد أثارها قبله النائب الراحل عبدالعزيز العدساني في الفصل التشريعي الثامن، عندما أثار عدم رد الديوان على سؤال وجهه إلى الديوان من خلال رئيس المجلس، فقرر في الجلسات أنه "ليس هناك إنسان لا يخطئ... مجلس الأمة هو الذي انتخب ورشح رئيس الديوان، والوزراء يردون على أسئلتنا، أما ديوان المحاسبة، وهو ملحق بالمجلس، فلا يرد علينا".وفي مداخلة للنائب السابق غنام الجمهور، وفي ذات الجلسة، قرر أن ديوان المحاسبة وإن كان ديوان الرقابة المالية، إلا أنه أحد أجهزة الدولة، فينطبق عليه ما ينطبق على غيره... "الأخ الرئيس أرجو أن يوضع حد لهذه المسألة، شنهو المخاوف من إجابة الديوان على أسئلة الأعضاء، وأوجه رسالة إلى رئيس الديوان أقول له فيها إنك لست فوق الدستور".الديوان وعبدالعزيز الصقرولعل ما أوقع منظومة الرقابة البرلمانية في هذا المأزق هو فهم خاطئ لأحكام المادة (151) من الدستور فيما نصت عليه من إلحاق الديوان بمجلس الأمة بكفالة استقلاله، ولهذا النص حكاية ربما تساعدنا في الإجابة عن السؤال الذي يحمله عنوان هذا المقال، فقد كان نص مشروع الدستور الذي قدمته لجنة الدستور "يلحق الديوان بمجلس الوزراء"، فاعترض الوزير عبدالعزيز الصقر على إلحاقه بمجلس الوزراء قائلا "إن المفروض أن الديوان يراقب الحكومة"، وقد أيده في ذلك الوزير السيد محمد يوسف النصف، ود. أحمد الخطيب، وتم تأجيل النظر في هذه المادة (جلسة 2/ 10/ 1962 مضبطة الجلسة 23 ص 22-23). وعندما أعاد المجلس بجلسته المنعقدة بتاريخ 24/ 10/ 1962 النظر في هذه المادة بعد إعادة دراستها بمعرفة لجنة الدستور، عاد الوزير عبدالعزيز حمد الصقر ليطالب بأن يكون ديوان المراقبة تابعاً لمجلس الأمة، وأيده في ذلك الوزير السيد محمد يوسف النصف، فوافق المجلس على إلحاق الديوان بمجلس الأمة، في ضوء ما قرره الخبير الدستوري؛ بأن بعض الدول تلحقه بمجلس الوزراء، وبعضها تلحقه بالبرلمان، وفي ضوء ما قرره كذلك السيد الصقر بأنه طالما نحن نتحرى النزاهة والدقة فما المانع من أن يكون ديوان المراقبة تابعا لمجلس الأمة؟سيادة القانون والدولة القانونيةذلك أن الديوان يرفض الخضوع لمنظومة الرقابة البرلمانية، ولمنظومة الرقابة بوجه عام، وفي سياق ذلك يرفض الخضوع لجهاز المراقبين الماليين، والرد على أسئلته وفقاً للصلاحيات الممنوحة للجهاز بموجب قانون إنشائه، وهو أمر غير مقبول أصلا ومنطقا في هيئة رقابة مالية تبسط رقابتها على كل أجهزة الدولة، فأولى بها أن تضرب المثل لهذه الأجهزة في الخضوع للرقابة التي تقررها الدولة باعتبارها القدوة بالنسبة إلى كل الجهات الخاضعة لرقابة الديوان، بأن يكون أول من يخضع لمنظومة الرقابة بوجه عام وللرقابة البرلمانية بوجه خاص. وخضوع الديوان لهاتين المنظومتين هو خضوع لمبدأ سيادة القانون في دولة قانونية يخضع فيها الحاكم مثل المحكوم للقانون.وإن انحسار أي من الرقابتين عن أي جهاز من أجهزة الدولة معناه أن هناك جهازاً يعلو الدستور ويعلو هذه الدولة، وكل السلطات وهذه الأجهزة قد خرجت من رحم الدستور.انفراد الديوان بأحكام خاصةعلى أن خضوع ديوان المحاسبة لمنظومة الرقابة البرلمانية يعني خضوعه لجميع الأحكام المنظمة لهذه الرقابة، بل بما يتفق والنص الدستوري القاضي بإلحاقه بمجلس الأمة، وذلك على النحو التالي:السؤال البرلماني: يخضع له الديوان في كل ما يمارسه من صلاحيات وفي إدارته لشؤونه ولشؤون موظفيه، وفي كل إنفاقه لإيراداته والفحص والمراجعة الذاتية لهذا الإنفاق، وفي خضوعه لأجهزة الرقابة الأخرى، ولكن لا يجوز لمقدم السؤال أن يحوله إلى استجواب.الاستجواب: لا يخضع ديوان المحاسبة للاستجواب، لأن رئيس الديوان، وإن كان يعامل معاملة الوزراء من الناحية المالية، فإن هذه المعاملة لا تخلع عليه وصف الوزير باعتباره منصباً سياسياً، وأختلف مع من انتهت إليه مذكرة لجنة حماية المال العام للأسباب التي بنت عليها رأيها من خضوع رئيس الديوان بسبب هذه المعاملة لأحكام قانون محاكمة الوزراء، ولكن يخضع الديوان لوسائل الرقابة البرلمانية الأخرى، فيمكن أن تكون أعماله وأداؤه محلاً لطلب مناقشة عامة أو تحقيق برلماني.
مقالات
ما قــل ودل: هل يستمر ديوان المحاسبة في التغريد خارج سرب الرقابة البرلمانية؟
11-06-2017