عن نهضتنا المؤجلة
إن أي مشروع للنهوض والنماء يجب أن يكون وثيق الصلة بالمجتمع والفضاء المحيط به، وبالتالي فالتخطيط لمشاريع حيوية مقبلة يستلزم أن يستلهم روحه وغايته من حقيقة العصر الكبرى، العولمة. ولئن نظرنا إلى التعليم– على سبيل المثال– في ضوء ما سبق فإننا سنلفيه غير معصوم عن تغيير يطرأ على فلسفته وما هو مرتجى منه، ففي الغابر من الأيام كانت النواة الصلبة لعملية التعليم تتمثل في تكميم التعليم وتحشيد المعارف ولذلك من البدهي أن فلسفة كهذه لم يعد لها موقع في العالم المعاصر، فالتعليم غدا بمفاهيمه القائمة على اكتساب مهارات التفكير النقدي، والإيمان بالتنوع، وروح المبادرة، فضلاً عن مهارات التواصل والتعليم الدائم له من أسباب القوة ما جعله أقرب إلى الأنموذج المعتمد في العالم المتقدم. وجه آخر لذلك يرتبط بضعف استقبال التكنولوجيا وهضمها في المجتمع، علماً أن ناصية التقدم الاقتصادي والمعرفي تنهض أساساً على الثورة التقنية المتطورة في المعلوماتية والإلكترونيات الدقيقة والهندسة البيولوجية، والأمر عينه حينما يتعلق بإنشاء المراكز العلمية والبحثية وتمويلها ودعمها، بدلاً من الاعتماد كلية على استيراد التكنولوجيا على النحو الذي يحيلها إلى ظاهرة دخيلة على المجتمع. ولكن الأمر لا يقتصر على ذلك الجانب بالرغم من أهميته، إذ إن مشاريع النهوض والنماء نجدها– بادئ ذي بدء- ترتكز كلية على مشاركة المواطنين والتزامهم بمسؤولياتهم وثقتهم بأجهزة الإدارة الحكومية والقطاع الخاص، وإدراكهم العبء الذي يقع على تلك الأقطاب الثلاثة. ومعلوم أن الشرط الشارط لإنجاز ذلك يتجسد في قوة المجتمع المدني وحيويته من مجلس أمة ونقابات وجمعيات، فضلاً عن توسيع قدرة المواطنين على التدخل في القضايا المختلفة، وتعضيد دورهم في عملية صنع القرار وإشراكهم بالتالي في حصاد ثمار النهضة والتقدم. وفي حين تبدو الصورة غير مشرقة في هذا الجانب، متى ما استشهدنا– تمثيلاً لا حصراً– بدور المرأة المفترض في هذا السياق، حيث لا تزال هناك عقبات كثيرة تظهر بين وقت وآخر في ما يتعلق بحجم مشاركة المرأة في سوق العمل، أو إشراع الباب واسعاً أمامها لتوظيف قدراتها الإبداعية. قد يكون ذلك هو المدخل الواقعي لإنجاز تقدم في ميادين أخرى كميدان الصناعة، والذي يعد في المنطقة ذا وضع مزرٍ ومشين، فالاسترخاء المديد على مصدر أحادي للثروة قد خلق فجوة صناعية كبرى بيننا وبين العالم. لقد أضحى من المعيب انعدام قاعدة صناعية تغطي جزءاً يسيراً من احتياجات الاستهلاك المحلي، وربما بعض أسبابه ذاك التردد الحرود المقيم في الذهنية الحكومية تجاه بناء قواعد لمجتمعات صناعية تغطي كل الصناعات الأساسية وتربطها بسياسات تكنولوجية متوائمة معها سلفاً.
والحال، لنتمسك بأهداب الأمل ونرقب بحسرة تقدم إخوة لنا يقيمون على مبعدة كيلومترات قليلة.