الأزمة الخليجية... وسقوط الإعلام العربي!
كنا نظن أننا صنعنا في العالم العربي وسائل إعلام حديثة وشبه مستقلة تتحلى بمهنية عالية تتناسب وتتماشى مع وسائل الإعلام العالمية، حتى وقعت الأزمة الخليجية الأخيرة بين عدة دول خليجية ودولة قطر، فصُدمنا بأن الفضائيات الإخبارية العربية تحولت إلى منصات للحرب الإعلامية الموجهة، وعُدنا إلى إعلام خمسينيات القرن الماضي، الذي كان يقوده منهاج أحمد سعيد وجماعته من نفس المدرسة في بغداد ودمشق وعدة عواصم عربية أخرى.فجأة، وبعد اندلاع الخلاف السعودي- القطري تحولت محطات إخبارية فضائية تجارية، كنا نمنحها الثقة ونستمع لها باحترام، إلى مدافع مواجهة إعلامية، وأضحت الأخبار الخاصة بها مصاغة بتوجه واحد. الضيوف والمحللون في كل قناة يتحدثون بصبغة واحدة، وبكلام يؤيد رغبات راعي المحطة الفضائية التي يتحدثون منها، ولم يعد هناك وجود للرأي الآخر، أو التحليل المحايد والعلمي، وكل محطة إخبارية على طرفي المواجهة تحجب الخبر الذي لا يؤيد وجهة نظر ومصلحة مموليها.
الصدمة بانهيار مصداقية وحيادية القنوات الإخبارية العربية التي أهدرت أكثر من 15 عاماً من بناء ثقتها مع المشاهد العربي دفعت المواطنين العرب إلى عادتهم القديمة بالتوجه إلى المحطات العالمية، ليحصلوا على الخبر بالكامل والتحليل المحايد العلمي للأحداث، فتوجهوا إلى "بي بي سي"، والفرنسية، والألمانية، و"سي إن إن"... إلخ. أما الصحافة الخليجية والعربية في المهجر، فقد كانت أكثر سوءاً وانخراطاً في الحرب الإعلامية. وبكل حيادية أستطيع القول إن الصحافة الكويتية كانت الأكثر اتزاناً وموضوعية في هذه الأزمة، التي نتمنى أن تنتهي بمصالحة خليجية صلبة تعود بمجلس التعاون الخليجي إلى تلاحمه وتوحده، بعد هذه العاصفة التي يمر بها. لكن المؤسف، أننا خسرنا في هذه الأزمة إعلاماً عربياً وخليجياً صُرفت عليه مبالغ طائلة خلال السنوات العشرين الماضية لبنائه، وعودة الثقة به مرة أخرى من المواطن العربي والخليجي بالغة الصعوبة، وسنحتاج إلى جهود مضنية ومقاربة جديدة لأداء وسائل الإعلام العربية.