الدراما السوداء
تشكل الأعمال الدرامية في رمضان جزءا مهما من ثقافتنا العامة، حيث يحرص كتاب الدراما ومخرجوها على أن يجدوا لأعمالهم ساعات بث في أهم المحطات الفضائية. وخلال ثلاثين يوما هي أيام هذا الشهر تزدحم هذه الأعمال حتى يصعب على المشاهد متابعتها، ويلجأ إلى اختيار عمل أو اثنين يرى أنهما يستحقان المشاهدة، وتؤدي وسائل التواصل الاجتماعي دورا مهما في توجيه هذه المتابعة الدرامية حين يتعلق الأمر بآراء بعض النقاد الذين نثق بهم في ترشيح عمل ما يستحق الوقت لمتابعته. أغلب الأعمال هذا العام يكفي أن تشاهد حلقة واحدة غارقة في البكائية والسوداوية لتقرر الانصراف عنها.أثبتت الأعمال الدرامية، التي يتم اقتباسها عن روايات أدبية، قدرتها على جذب المتابعين، ونيل مديح النقاد، كما حدث العام الماضي مع أفراح القبة. لكن هذا الاقتباس يحتاج جهدا إبداعيا موازيا من كاتب السيناريو والحوار ومخرجا يجيد إدارة طاقم العمل. وفي كل عام نطمح أن يقدم لنا كتاب السيناريو عملا واحدا على الأقل مقتبسا عن رواية خليجية، ونحن نعيش نشاطا روائيا مميزا في السنوات الأخيرة. لكن ما يحدث هو إصرار هؤلاء الكتاب على أن يقدموا قصصهم التي غالبا ما تفشل وتسقط في العادية والسذاجة أحيانا كثيرة، ولا يستطيع حتى الفنان القدير إنقاذ نص متهالك وغير متماسك. فلم تستطع سعاد عبدالله إنقاذ نص هبة حمادة رغم تاريخ سعاد الطويل. وهبة حمادة من المواهب الكتابية التي كنا نعول عليها كثيرا في تقديم عمل تتفوق فيه على نفسها، وتستفيد من خبرتها الكتابية السابقة، وذلك لم يحدث للأسف رغم توفر عدد من المخرجين الجيدين وممثلين على مستوى كبير من الاقتدار.
العمل الأكثر تماسكا وأحد أفضل النصوص الدرامية حتى الآن هو عمل الكاتبة منى الشمري "كحل أسود، قلب أبيض"، وهو عمل نستطيع مقارنته بأعمال الكاتبة الأدبية في مجموعتها الأولى "يسقط المطر، تموت الأميرة". استطاعت منى الشمري أن تجيد كتابة العمل الدرامي بقدرة لا تقل عن تمكنها من النص الأدبي، فجاءت حواراتها التي قسمتها بين شخصياتها المتناقضة اجتماعيا والمتباينة قطريا أقرب للواقعية وبعيدا عن التكلف أو تدخل صوت الكاتبة في هذه الحوارات. كانت لهجات الرجل البدوي أو الشخصية العراقية ورجل المدينة والأطفال المساهمين في العمل أو الشاب المعاق ذهنيا قد كتبت باقتدار وكأننا أمام أكثر من مؤلفة ساهمت في الحوارات.العمل الدرامي الذي تصدت له منى يغطي حقبة تاريخية مهمة من تاريخ الكويت الاجتماعي، ونشأة تكون الكيانات الاجتماعية وسطوة المال وعزل الفقراء الذين شكلوا مكونا هامشيا لأصحاب النفوذ. كاد المكان وارتباطه في زمن سابق يشكل عقبة مهمة في تنفيذ العمل، ولكن المخرج محمد دحام الشمري استطاع بذكاء أن يعيد تشكيله ليكون أقرب إلى ذلك الزمن. تجربة منى الشمري الدرامية هي الأولى لها، وكأنها مارست هذا العمل الكتابي لسنوات طويلة، وهي تجربة مبشرة ومحفزة لكتابنا، وأتوقع لها أعمالا قادمة أكثر امتاعا.