مخرج "حماس" الوحيد من هذه "الورطة"، التي وجدت نفسها فيها، وبدأت تبحث عن عاصمة تستقبلها، ربما تكون طهران، هو الذهاب هرولة إلى حضن منظمة التحرير، وأن تكون مرجعيتها الشرعية الفلسطينية لا "الإخوان المسلمين" وشيوخهم، الذين باتوا يتوزعون على المنافي البعيدة والقريبة، ولا أي عاصمة عربية ولا عمان ولا بيروت ولا دمشق، ففلسطين أولى بأبنائها، والإقامة في قطاع غزة المحاصر أفضل لأي تنظيم فلسطيني من العاصمة الإيرانية ومن أي عاصمة أخرى.

كان بإمكان ياسر عرفات (أبوعمار)، أمطر الله تربته بشآبيب رحمته، أن يستجيب لحلول الوسطاء بينه وبين الإسرائيليين، وأن يخرج من "المقاطعة" التي طال حصاره فيها، ويترك رام الله والضفة الغربية وينتقل إلى أي من العواصم العربية التي رحبت به، وأولها العاصمة الأردنية عمان، لأنها الأقرب إلى القدس، لكنه أصر على البقاء مع شعبه وبين أهله ومع رفاق السلاح، ولم يغادر إلا عندما أنهكه الاغتيال بالسم الزعاف الذي أوصله إلى قلبه وجسده "مأجور" لإيرييل شارون، ربما لا يزال طليقاً حتى الآن... وهكذا فقد كانت عودته محمولاً على الأكتاف، حيث ووري جسده الطهور ثرى فلسطين، التي أعطى عمره كله لها ومن أجل تحريرها.

Ad

كنت سألته، رحمه الله، بينما بقي يودع بيروت ورفاق السلاح إلى أن غابت عن عينيه، وذهبت السفينة التي أقلته إلى منفى جديد بعيداً بين أمواج البحر الأبيض المتوسط: "إلى أين يا أبا عمار؟"، وكان جوابه السريع التلقائي: "الله... إلى فلسطين"، وكان قد قال لي عندما زرته لاحقاً في "المقاطعة" على شواطئ غزة، وكنت أول مواطن عربي يزوره بعد عودته إلى هذا الجزء من وطنه: "ألم أقل لك إنني ذاهب إلى فلسطين... ها أنا في فلسطين وسأبقى في فلسطين".

أنا كمواطن عربي عادي لا يمكن إلا أن أحترم "حماس" وشهداءها، لكنني أختلف معها بسبب خلفيتها "الإخوانية"، وبسبب رفضها الانضمام إلى منظمة التحرير، التي اعتبرتها قمة الرباط العربية في عام 1974 ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، رغم أن (أبو عمار) كان قد عرض على الأخ خالد مشعل، في اجتماع بمنزل "الإخواني" السوري عدنان سعد الدين في عمان، كنت أحد حضوره، حصة مجزية في المجلس الوطني الفلسطيني... وحقيقة إنه كان واضحاً منذ البدايات ومنذ ذلك الحين وقبل ذلك أن لـ"حركة المقاومة الإسلامية" موالها الخاص "المُمول" بأموال الذين دأبوا ومازالوا على العمل لزعزعة الوحدة الوطنية الفلسطينية وغير معروف لماذا... وما الهدف؟!

الآن... وحيث إن هذه الحركة تفكر في الانتقال كقيادة إلى طهران فإن عليها أن تأخذ في اعتبارها أن هذا "المنفى" الجديد... البعيد سيكون مكلفاً جداً، فإيران "داخلة" في حروب ضروس بالعراق وسورية واليمن ولبنان، وهي حروب تشكل حرباً على الأمة العربية، ولذلك فإن كل من يقبل بأن يستضاف في عاصمتها عليه أن ينخرط مقاتلاً في هذه الحرب، ولذلك ومرة أخرى فإن خيار قادة "حماس" هو خيار العودة إلى غزة، الذي هو الخيار الصحيح... وإن انضمامها إلى منظمة التحرير هو الخطوة التي سيقدرها الشعب الفلسطيني وكل من يصر على أن فلسطين عربية وستبقى عربية.