يبدو أن سيناريو «حكومة الطوارئ او تأجيل الانتخابات العامة» في العراق ليس مجرد «وساوس وشكوك مبالغ فيها»، يعبر عنها نوري المالكي رئيس الوزراء السابق، لأن أطرافا عدة بدأت تنخرط في دائرة التحذير من عاقبة هذا الاحتمال خلال الايام الماضية، بل إن مصادر تتحدث عن إمكانية ظهور «وضع استثنائي» لو ارتفعت الصدامات بين الدولة والفصائل الشيعية المسلحة.

ورغم موجات العنف الشديدة، التي تضرب البلاد منذ سقوط صدام حسين، فإن مواعيد الانتخابات بقيت صامدة واجريت في توقيتاتها، وحفظت شرعية مهمة للبرلمان والحكومة خلال اعقد الظروف، الا ان التقشف الاقتصادي وويلات الحرب في المدن السنية وانقسامات غير مسبوقة شيعيا وكرديا، جعلت البلاد تواجه ترددا في إجراء انتخابات بلدية مهمة كانت مقررة في الخريف المقبل، لكنها تأجلت عمليا، وانتخابات نيابية لابد ان تجرى ربيع 2018 .

Ad

وسيكون أي تأجيل محتمل ضربة للشرعية في بلد منقسم على نفسه بنحو عنيف، وسيتطلب إجراءات حماية لشرعية النظام من خارج البلاد كالأمم المتحدة مثلا، ما قد يعيد العراق تحت الوصاية، لو حصل ذلك.

وانشغل العراقيون بتصريحات المالكي، التي تتحدث عن «مؤامرة» ربما يقودها رئيس الحكومة حيدر العبادي، وتستهدف إلغاء الانتخابات لتشكيل حكومة طوارئ والتمديد للعبادي، لكن المراقبين اعتبروها تأويلا مبالغا فيه لبعض الاشارات والوقائع ومحاولة خلق ضجة ضد غرمائه، حيث يحاول رئيس الحكومة السابق ان يظهر كطرف مهم تهدده «المخططات المعادية».

ثم ما لبثت أصوات أخرى مثل المجلس الأعلى بزعامة عمار الحكيم، ان باتت تتحدث عن وجود «إشارات محتملة» لتأجيل الانتخابات، وحذرت من ذلك بشدة لانه سيدخل البلاد في فراغ يصعب ضبطه.

ودخل نواب من القوى السنية على خط هذا السيناريو، لكنهم ايدوه هذه المرة بمبرر ان مناطقهم منكوبة ومدنهم مدمرة، ونحو مليون ناخب منهم إما نازح او بحكم المشرد، وكل هذا لن يشجع على انتخابات تفرز تمثيلا صحيحا، مطالبين بالتفكير الجدي في تأجيل الاقتراع الى 2019 كحد ادنى.

اما فريق العبادي فيرفض وجود اي خطة من هذا القبيل، ويستذكر قدرة البلاد على إجراء الانتخابات في أخطر الظروف وأصعبها، كما يسخر هؤلاء من فكرة وجود «مؤامرة» تستهدف القوى الاسلامية وتحاول تشكيل حكومة طوارئ تلغي حكم الاسلام السياسي.

وبين هذه المواقف يظهر فريق آخر يستبعد تأجيل الانتخابات الا في حالة حصول انهيار امني كبير نتيجة صدامات متوقعة لاستعادة هيبة الدولة، بين الجيش الموالي للعبادي والميليشيات المقربة على طهران ونوري المالكي.

وبين الحين والآخر تقوم الميليشيات بعمليات خطف لناشطين او سياح او رجال اعمال يجري الافراج عنهم لاحقا بعد ان يشكلوا احراجا كبيرا للحكومة امام الرأي العام، ويبرز ضعف العبادي الذي زج بأفضل قواته في معارك الموصل، ومن المتوقع ان تنتهي المعارك الكبيرة قريبا ويتاح لبغداد ان تستعيد جزءا من قوات النخبة المدربة اميركيا، والمحبوبة شعبيا وتستخدمها لتقييد كبير لنشاط الميليشيات التي صارت تمتلك معسكرات وتسليحا ثقيلا داخل المدن الكبيرة مثل بغداد والبصرة.

ويمكن ان يؤدي الصدام الى انهيار امني تصعب السيطرة عليه الا بإجراءات استثنائية، منها تأجيل الانتخابات لمنع الفصائل من الحصول على الشرعية إذا فاز مرشحوها، ولتنفيذ خطط أمنية جديدة تستعيد الأمن وتلغي نفوذ الميليشيات التي تقلق الجميع.