في الأساس تتناول مسرحية «الملك يموت» احتضار الملك على مدى ساعة ونصف ساعة، ودخوله عالم العدم، وهي تلميح مبطن إلى تراجع السيطرة الفرنسية الاستعمارية. إلا أن فؤاد نعيم عاود كتابتها بأسلوب يحاكي الواقع اليوم مع الحفاظ على فكرتها الأساسية والخط الدرامي الذي انتهجه أوجين يونيسكو لدى كتابته هذه المسرحية عام 1962. يعتبر فؤاد نعيم أن الوقت ملائم اليوم لإعادة تقديم مسرحية «الملك يموت»، نظراً إلى الواقع الذي تعيشه المنطقة العربية، لا سيما تمسّك الحكام بمناصبهم رغم تدهور الأوضاع وهجرة شعوبهم. صوّر يونسكو واقع الإنسان أمام الموت بغض النظر عن كونه حاكماً أو رجلاً عادياً، فالموت هو هو لا فرق عنده بين دين وعرق ولون وطبقة اجتماعية.
استعمل فؤاد نعيم في إعادة كتابة المسرحية اللغة المحكيّة، ووازن فيها بين سقوط الملك بيرنجيه الأول أو الديكتاتور، وبين سقوط الديكتاتوريات في العالم العربي. لذا يبدو النص نابضاً بأحداث ومواقف نابعة من صميم الأزمات المتفاعلة من كل حدب وصوب. صحيح أن المسرحية تندرج ضمن النوع العبثي، لكنها في الحقيقة تراجيدية تحاكي إشكالية كانت منذ بداية الخليقة ولا تزال وستبقى، وهي مواجهة الإنسان الموت. يتوقّف فؤاد نعيم في المسرحية، تماماً مثل يونسكو، عند أسئلة ترتسم باستمرار من بينها: لماذا خلق الله الإنسان ما دام سيواجه الموت؟ وفي معالجة تراجي- كوميدية يحاول فؤاد نعيم الإجابة واضعاً خبرته في الحياة والناس، من دون أن يخرج بالطبع عن خط المسرحية العام، بل يدور في فلكه، باعتبار أن موقف الإنسان من الموت لا يتغير وموقفه أمام انهيار السلطة لا يتغيّر، وفي تلك اللحظة بالذات يدرك أن الحياة ساخرة ومدعاة للضحك، وكذلك السلطة.
صراع مع الموت
بدت خشبة المسرح خالية من أي مظاهر بهرجة، فقط وضع المخرج عليها كرسياً يجلس عليه الملك ويشهد صراعه الأخير مع الموت ومع فقدان السلطة، فضلاً عن ملابس الملك والملكتين، في حين، تدور بقية الشخصيات في فلك الملك، مع مقاربات للواقع اللبناني، في شكل عابر، على غرار مسألة النفايات التي يعانيها اللبنانيون وغيرها...سبق أن قدَّم فؤاد نعيم المسرحية في إطار «مهرجان مسرح المدينة» في أكتوبر الماضي، وأدت الممثلة برناديت حديب دور الملكة، ومع إعادة عرضها اعتذرت حديب لارتباطها بعمل آخر، فاختار المخرج الممثلة الشابة يارا بو نصار التي تقمّصت الشخصية وجسدتها بشكل أعطاها أبعادها الإنسانية والفنية في آن. بدوره، نجح جورج خباز في أداء شخصية الملك الديكتاتور وأعطى الدور كل حقه، فهو ممثل يعرف متى يستخدم الكوميديا ومتى يستخدم التراجيديا في تجسيد الشخصية، فتنقّل بين التهريج والمأساة بأسلوب شفاف يقف على حافة الواقع. العمل المسرحي، بالنسبة إلى فؤاد نعيم، هو عمل جماعي يأخذ من موهبة كل الممثلين والموسيقيين، ويصهرها في موسيقى جماعية تخدم النص بقدر ما يتماهى معه كل ممثل على حدة وكلهم معاً، كما صرح في لقاء صحافي. من هنا تكاملت الأدوار في المسرحية وتناغمت مع بعضها بعضاً، ويؤديها كل من موريس معلوف، ومي سميث، وباتريسيا سميرة، ووليد جابر.نبذة
فؤاد نعيم كاتب ومخرج ورسام تشكيلي وإعلامي، أنشأ القسم العربي في وكالة الصحافة الفرنسية، وكان مديراً لأكثر من مؤسسةٍ إعلامية كبيرة من بينهما «تلفزيون لبنان». قدَّم على المسرح أعمالاً مميزةً من بينها ثلاثية «المتمرّدة، البكرة، والحلبة»، مع زوجته الفنانة نضال الأشقر، مؤسسة مسرح المدينة.