المثقف وأزمة الخليج
ما يفرق المثقف عن غيره هو معرفته العلمية المتأنية بما يحيط به، ومن ثم قدرته الموضوعية على تكوين رأي أو موقف حيال أمرٍ بعينه. إن ما تمرّ به دول مجلس التعاون الخليجي من أزمة كبيرة بين السعودية والإمارات ومعهما مصر من جهة، وقطر من جهة أخرى، يتطلب بالضرورة موقفاً حكيماً وجلياً من المثقف العربي عامة، والخليجي خاصة. فما يحدث لا يكتفي بأن يمس ويلون بمرارته الحاضر، بل إنه سيؤثر تأثيراً كبيراً في القادم من الأيام والسنين. وإذا كان المغفور له أمير الكويت السابق سمو الشيخ جابر الأحمد هو صاحب فكرة إنشاء مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 كمنظومة سياسية عربية خليجية، فإن خلفه سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، هو أول من انبرى للوقوف في وجه الأزمة الراهنة، محاولا رأب الصدع بين الأخوة الخليجيين. وهذا ليس بغريب على قائد العمل الإنساني. الذي يأمل كل المخلصين في العالم نجاح مساعي سموه الكريمة لتجاوز هذه الأزمة المؤلمة.إن ما تشهده أقطار الوطن العربي من احتراب مؤلم ومدمّر بين أبناء الوطن الواحد، سواء في العراق أو سورية أو اليمن أو ليبيا أو السودان، يتطلب من كل مبدع ومثقف خليجي وعربي مخلص أن يقف أمام الأزمة الراهنة بتروٍ كبير، وأن تكون له كلمة تنطلق من دور الإبداع والثقافة الإنسانيين، في مناداتهما بالسلام، وأنه ليس ثمة شيء ثمين كما حياة الإنسان وعيشه بحرية وأمان.قد ينقاد بعض المثقفين، خليجيين وعربا وأجانب، نتيجة أفكارهم وقناعاتهم وحساباتهم الخاصة، إلى تأجيج نار الأزمة، لكن التاريخ البشري ظل على الدوام يحفظ ويشير إلى المثقف المستنير، ذاك الذي يقف ضد أي حرب وضد أي خراب يمس حياة الإنسان والأوطان. وهو ذاك الذي يرى في الكلمة والفعل المبدع ظلاً يصحب الإنسان في خطو حياته.
مؤكد أن هناك جذوراً متشابكة للأزمة الخليجية، بما يفرض ضرورة حلها، لكن المؤكد أيضاً أن عموم شعوب الخليج تردد وبشكل صريح ودال ومحب مقولة: "خليجنا واحد". شعوب الخليج وبعفوية وصدق شعورها بانتمائها لبلدانها، وبإدراكها لخطورة الوضع، وبكرهها لخلاف مدمر بين الأخوة، تنادي بالسلام، وتنادي بحلٍ يُبقي على منظومة مجلس التعاون، مؤكداً أهميتها وضرورة وجودها كصمام أمان في منطقة تتقاذفها أمواج الحروب العاتية. وإذا كان هذا هو موقف الشعوب فلا أظن أن المثقف الخليجي سيقف ضد إرادة شعبه، ليؤجج فكرة احتراب سيأكل الأخضر في حال نشوبه.إن مثقفي دول مجلس التعاون أمام لحظة مفصلية في تاريخ بلدانهم ومنطقتهم، وهم بالتالي أمام موقف إنساني أولاً وفكري ثانياً، يتطلب منهم بالضرورة رأياً راجحاً وموقفاً واضحاً بحل الأزمة بالطرق السياسية، وإبعاد وحفظ المنطقة وشعوبها عن أي خلافات مدمرة، قد تقودها إلى ما لا تحمد عقباه.لدول منطقة الخليج العربي تاريخ يحفل بالوحدة، والوقوف صفاً واحداً في وجه أي مصاب أو عدوان. وليس أدل من ذلك التكاتف السياسي والشعبي الكبير أثناء العدوان الصدامي الغاشم على الكويت عام 1990. وبالتالي لن يكون موقف المثقف الخليجي اليوم ببعيد عن عشق وحدة هذه المنطقة، والمناداة بتحكيم العقل، ومعالجة كل الأسباب الكامنة وراء هذه الأزمة.شعوب المنطقة تنظر بعين الاهتمام والترقب لموقف وصوت المبدع والفنان والمثقف الخليجي، وهي ستسجل كل موقف إنساني يرتفع منادياً بالسلام، وإبعاد دول منطقة الخليج عن أي تأزيم.الإبداع الحق هو ذاك الذي ينادي بعيش سلام وحرية للإنسان، ومن هنا نقول: إننا ضد التصعيد، ومع أن تبقى منطقة الخليج العربي، واحة سلام وخير للإنسان، كل الإنسان، الخليجي والعربي والأجنبي.