جابر بن عبدالله... الراوية الفقيه
هو جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام، أحد الأنصار السبعين الذين بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم يوم بيعة العقبة الثانية، واختاره النبي نقيباً على قومه بني سلمة، وأمه: نسيبة بنت عقبة بن عدي بن سنان بن نابي بن زيد بن حرام بن كعب بنغنم، تجتمع هي وأبوه في جدهما حرام، يكنى أبا عبدالله، الأنصاري الخزرجي السلمي المدني.من أهل بيعة الرضوان، أسلم صغيراً، وشهد بيعة العقبة الثانية مع السبعين أنصارياً، وكان أصغر المبايعين سناً، أراد الخروج إلى غزوة بدر ثم أحد فأمره أبوه أن يبقى في المدينة ليخلفه على أخواته، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة، وروى عنه أخباراً وأحاديث كثيرة.وكان من فقهاء الصحابة، عاش طويلاً، وكف بصره في آخر عمره، وتُوفي بالمدينة عن أربع وتسعين سنة، وهو آخر من شهد بيعة العقبة موتاً، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة، وكان رضي الله عنه من فقهاء الصحابة، وكانت له حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه العلم فيها، عاش بعد عبدالله بن عمر أعواماً وتفرد بالإفتاء بالمدينة المنورة، وكان يقول لمن حوله: "تعلموا العلم، ثم تعلموا الحلم، ثم تعلموا العلم، ثم تعلموا العمل بالعلم، ثم أبشروا".
وكان من شدة تعلقه برواية الحديث يرحل إلى مكة وإلى كل مكان يسمع فيه ممن سمع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رحل مرةً إلى الشام ليسمع من صحابي حديث القصاص، يقول: بلغني عن رجلٍ حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتريت بعيراً، ثم شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهراً، حتى قدمت عليه الشام، فإذا عبدالله بن أنيس، فقلت للخادم: قل له: جابر على الباب، فقال: ابن عبدالله؟، قلت: نعم، فخرج يطأ ثوبه، فاعتنقني واعتنقته، فقلت: حديثاً بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص، فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر الناس يوم القيامة- أو قال العباد- عراة غرلاً بهماً، قال: قلنا: وما بهماً؟، قال: ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد- أحسبه قال- كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الدّيان، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار، وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه حتى اللطمة، قال: قلنا: كيف وإنما نأتي الله عز وجل عراة غرلاً بهماً؟، قال: بالحسنات والسيئات".وكان رضي الله عنه من المكثرين في الرواية، وفي كتابه: (أسماء الصحابة وما لكل واحد منهم من العدد) وضعه ابن حزم الأندلسي رقم ستة في المكثرين من أصحاب الألوف، وذكر أن له ألفا وخمسمئة وأربعون حديثاً، وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، واتفق له الشيخان على ثمانية وخمسين حديثاً، وانفرد له البخاري بستة وعشرين حديثاً، وانفرد مسلم بمئة وستة وعشرين حديثاً.روى جابر بن عبدالله عن النبي، كما روى عن كبار الصحابة، وحدث عنه خلق كثيرون، وعاش رضي الله عنه أربعاً وتسعين سنة، وكف بصره، وكان آخر من مات بالمدينة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى عليه أبان بن عثمان والي المدينة.