تراجع «داعش»

نشر في 14-06-2017
آخر تحديث 14-06-2017 | 00:11
 ريل كلير يُعتبر "داعش" أول مجموعة مجاهدة في العالم تجعل السيطرة على الأراضي هدفها الأبرز، ونجح لبعض الوقت، فقد سيطر وأدار مساحة من الأراضي تفوق ما كسبه أي تنظيم مجاهد آخر في سورية أو العراق أو أي دولة أخرى، لكن العالم يُطْبق اليوم على "داعش"، حتى إن عاصمته باتت مهددة.

بدأت القوات الديمقراطية السورية، التي تدعمها الولايات المتحدة، غزوها شرق الرقة، وسيطرت على حي المشلب قبل أن يوقف "داعش" تقدمها، وفي هذه الأثناء عبرت القوات المسلحة السورية الموالية للأسد إلى محافظة الرقة وباتت اليوم على بعد أقل من 80 كيلومتراً عن مدينة الرقة، كذلك تحرّك الجيش السوري ضد "داعش" في محافظة حلب وفي محيط حماة، فيما يواصل سيره شرقاً من تدمر باتجاه قلب منطقة "داعش". إذاً، يترنح "داعش" راهناً، وما عاد قادراً على الدفاع عن عاصمته، ما يفرض عليه بالتالي تبديل استراتيجيته. ويحب أن يتغير مع هذا التبديل تقييمنا الأساسي لضرورات التنظيم الاستراتيجية في سورية.

الانكفاء

إذاً، على "داعش" أن يبدّل استراتيجيته، ونلاحظ بعض الإشارات إلى أنه بدأ بذلك بالفعل قبل أن يشتد هجوم قوات سورية الديمقراطية على الرقة، وأثار المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف في واشنطن نقطتَين أساسيتين في تقريره في الثالث من أبريل: أولاً، أفاد التقرير أن "داعش" ينقل قادته الرئيسيين وعائلاتهم من الرقة إلى مدينة الميادين. وثانياً، عمد "داعش" في شهرَي فبراير ومارس إلى نقل المال إلى الميادين. على نحو مماثل تشير روايات أهل الرقة في وسائل الإعلام إلى أن مقاتلي "داعش" رحلوا في الأسابيع الأخيرة، بالإضافة إلى ذلك يؤكد ظهور فيض من المصادر المستعدة للتحدث إلى وسائل الإعلام في الرقة فجأة بحد ذاته انخفاض سيطرة قوات "داعش".

وتشمل المؤشرات الأخرى إلى أن "داعش" قبلَ بخسارة الرقة والنجاح الذي حققته قوات سورية الديمقراطية حتى الآن في المدينة، ففي غضون 24 ساعة بعد بدء الهجوم أعلنت هذه القوات أنها سيطرت بالكامل على حي المشلب شرق الرقة. ولكن حتى لو سحب "داعش" الجزء الأكبر من قواته من الرقة، فلن تشكّل السيطرة على عاصمة الخلافة مهمة سهلة.

حل مؤقت

يعتبر "داعش" الانسحاب إلى دير الزور حلاً مؤقتاً فحسب، مع أنه ينطوي على الكثير من المخاطر، فقد أدار هذا التنظيم مناطقه من الرقة طوال سنوات، ومهما كانت مرونته وقابليته للتحرك عاليتين فستتضرر قدرته على تنظيم عملياته، لكن الانتقال إلى دير الزور يمنح "داعش" عمقاً استراتيجياً، مقارنةً بقوات سورية الديمقراطية وقوات الحكومة السورية، لأنه يطيل خطوط إمدادهما أكثر عندما تقرران ضرب أهداف "داعش" التالية. لكن هذه الخطوة تقرّب أيضاً "داعش" من الحدود مع العراق، حيث كانت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران ترسّخ مكاسبها في الأسابيع الأخيرة. ومهما أكد رئيس وزراء العراق حيدر العبادي أن هذه الميليشيات لن تعبر الحدود وتضرب أهداف "داعش"، فلن يكون ذلك مطمئناً لهذا التنظيم، حتى لو لم تعبر تلك الميليشيات الحدود، سيتراجع هامش المناورة الذي يتمتع به "داعش"، وذلك كلما وسّعت الخسائر التي تنزلها به في العراق. نجح تنظيم "داعش" في بسط سيطرته باستغلاله الطائفية وفراغ السلطة، فقد أجج ضرب أهداف في دمشق، وطهران، وبغداد الطائفية، في حين حافظ "داعش" على مصداقيته في محاربة الغرب بالتخطيط لاعتداءات وتنفيذها في أماكن مثل أستراليا، والمملكة المتحدة، وفرنسا. وهكذا زاد ضعف "داعش" في سورية والعراق إلى حد كبير إمكان تنفيذ هذا التنظيم اعتداءات في الغرب.

نادى أعداء "داعش" بالنجاحات التي حققوها ضد قوات هذا التنظيم لسنوات، ولكن في معظم هذه الحالات، تخلى "داعش" عن أراضٍ لا يعتبرها مهمة استراتيجياً للدفاع عن خلافته، ولم تصبح هذه النجاحات مهمة إلا في الآونة الأخيرة.

ولكن علينا أن ننتظر لنرى كم كان انسحاب "داعش" من الرقة شاملاً قبل بدء عملية قوات سورية الديمقراطية، وفيما تركّز وسائل الإعلام على تقدّم هذه القوات الشارع تلو الآخر، من المهم أن نتأمل محاولات "داعش" تعزيز موقعه الأكثر قابلية للدفاع عميقاً في الصحراء السورية وتأجيج النزاع الطائفي بتنفيذه المزيد من الاعتداءات الإرهابية. كذلك من الضروري أن نراقب قدرة أعداء "داعش" على الحفاظ على المبادرة ومواصلتها بزخم.

back to top