يحمل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وهو يبدأ زيارة نادرة للرياض، مكاسب عدة نجح في تحقيقها خلال العامين الماضيين، أبرزها استعادة نحو ٩٠ في المئة من المدن العراقية ذات الأغلبية السنية، من قبضة تنظيم داعش، بدعم دولي واسع، ولكن مضيفيه في السعودية يدركون أن هذه ليست كل الحكاية.

وقررت الرياض أخيراً كسر الجمود مع بغداد والاستعداد لمرحلة ما بعد الحرب ضد «داعش»، ولأول مرة منذ ربع قرن قام وزير الخارجية السعودية عادل الجبير بزيارة وصفت بالناجحة لبغداد، في فبراير الماضي، ومهدت حواراته لفتح تدريجي لمجموعة ملفات معقدة بقيت مطوية في الأدراج سنوات، مثل التعاون الأمني والتنسيق في مجال الطاقة إثر زيادة كبيرة في إنتاج البترول العراقي بعد دخول عمالقة النفط الأجانب واستثمارهم في حقول البصرة، وطموحات بفتح منافذ تجارية بين البلدين اللذين يتشاركان حدوداً برية واسعة تمتد بمحاذاة الأردن شمالاً حتى الكويت على رأس الخليج.

Ad

ويحتاج العبادي من الرياض إلى التزامات متنوعة، فهو يطمح إلى دور خليجي في إعادة إعمار المدن ذات الأغلبية السنية، والتي تضررت بنسب تصل إلى ٨٠ في المئة بسبب المعارك الطاحنة، لكن وجهة النظر العربية والأميركية كذلك، تطالب بغداد بتعريف أعمق لمعنى الاستقرار في تلك المدن، وما يتطلبه من إصلاح في المواقف السياسية ومنح القوى الفاعلة هناك صلاحيات واسعة لإدارة مجتمعاتها، بنحو مماثل للصلاحيات التي تتمتع بها الأطراف الشيعية والكردية في مناطقها.

ولا يمتلك العبادي قدرة بمفرده على إبرام تسوية كبرى مع الأطراف السنية في ظل الدور الإيراني الذي يتفنن في عرقلة تفاهمات عديدة، ولكن المراقبين يعتقدون أن ظهور دور عربي في العراق بموازاة خطط للرئيس الأميركي دونالد ترامب، من شأنه تشجيع العبادي وتحالف من معتدلي الشيعة حوله، على إصلاح العلاقة مع إيران وإدارتها بشكل أكثر توازناً.

ويحتاج العبادي إلى دعم أساسي مع بدء التنافس الانتخابي مبكراً للاستعداد للاقتراع العام في ربيع العام المقبل، الذي يواجه فيه خصمه من الحزب ذاته وهو سلفه نوري المالكي، في ظل عجز موازنة كبير وويلات حرب متصاعدة وضغط تمارسه الفصائل المسلحة الموالية للمالكي وطهران.

ويدرك خصوم العبادي أنه سيمضي في الاعتماد على دعم واشنطن وتحالفات عربية جديدة، ومن المتوقع أن تبدأ الأصوات الموالية لطهران حملة مناهضة لحوار بغداد والرياض، وقد تكون الأزمة مع قطر جزءاً من «البروباغاندا» المعتادة ضد جهود نزع التوتر التي يميل إليها العبادي بطبعه، محاولاً إقامة توازن بين الاستقطابات الإقليمية، وهو أمر سيحاول رئيس الحكومة العراقي أن يجعل الرياض تتفهمه قدر المستطاع، والقبول بانفتاح يبدأ بـ»طموحات متواضعة» لامتصاص أشكال من العرقلة ستزخر بها تحضيرات الاقتراع النيابي الساخن في العراق.