يعد المسيحيون من الشرائح التي تم استهدافها من قبل التنظيمات الإرهابية المتطرفة، وقد أظهرت العديد من البيانات التي أصدرها تنظيم "داعش" الإرهابي مدى عدوانيته في تعامله مع المسيحيين تحت مزاعم أن "دولة الخلافة المزعومة لا يقوم بين ظهرانيها مسيحي" بحسب تعبير التنظيم الإرهابي، ومن لم يستجب لقرارات التنظيم وقع عليه حد القتل.

التنظيمات الإرهابية دائماً ما تُبرر قتلهم للمسيحيين بالزعم أنهم أصبحوا غير ملتزمين بما يسمى بـ"الوثيقة العمرية"، التي إن صحت عند البعض فإن لها سياقها التاريخي الذي بنيت عليه، ولا يصح إعادة تطبيقها حالياً، فهناك اختلاف بين الفقهاء حول مدى صحة هذه الوثيقة وعدد بنودها، بين مؤيد لها بالكامل، ومشكك في بعض بنودها، ورافض لها بالجملة.

Ad

"الوثيقة العمرية" تناقلها نحو 19 مؤلفاً من كتب الفقه والتاريخ والأدب، أبرزها كتاب ابن حزم "المحلى في الفقه"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، وابن القيم "أحكام أهل الذمة"، وأشارت إلى أن الخليفة عمر بن الخطاب وقعها مع بطريرك مدينة بيت المقدس، صفرونيوس، واشترط فيها على أهل الذمة شروطاً بلغت في بعض الرويات 100 بند مقابل السماح لهم بممارسة شعائرهم.

ويقول الأستاذ في جامعة القاهرة عُبادة كحيلة في كتابه "قراءة جديدة في عهد عمر"، إن بعض هذه الروايات جاءت بدون إسناد، باعتبار أن شهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها، كما يُقرر ابن القيم في كتاب "أحكام أهل الذمة" ص 663، وأن الروايات التي ذكرت إسناد الوثيقة، تنتهي جميعها بعبدالرحمن بن غنم الأشعري.

ويقول ابن سعد في (الطبقات الكبرى جـ7 ص 441)، "إن عبدالرحمن بن غنم الأشعري لا نعلم الكثير عن حياته، وأنه قدم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في الأشعريين، وصحبه إلى أن قتل في بعض المغازي بعد وفاة الرسول"، والأرجح بحسب الكتاب أن عبدالرحمن لم يكتب العهد ولم يره، إذ لو أن ابن غنم هو الذي روى العهد أو كتبه أو صاغ شروطه فلابد أن يكون من قواد المسلمين الكبار في فتوح الشام والجزيرة، ولم يكن هو أحدهم.

وبنود الوثيقة على ما فرضته من قيود على أهل الذمة، تتناقض مع ما نعرفه عن هذا الحاكم العظيم الذي كان العدل والرحمة أهم صفاته، فلم تذكر كتب السيرة أن عهد عمر شهد تطبيقاً لهذه القيود التي تم ذكرها في الوثيقة العمرية على أهل الذمة، بل إنه أسقط الجزية عن نصارى تغلب في عام "الرماد" المجاعة، كما ذكرت روايات أن عمر رفق بأهل الذمة، وكان يعطي المرضى وكبار السن منهم من بيت مال المسلمين، فضلاً عن إنصافهم من مظالم وقعت بهم، وحفظه لكنائسهم ودور عبادتهم، وهذا ما ذكره، ابن الجوزي (سيرة عمر بن عبدالعزيز ص 289).