منذ ثلاثة عقود تساهم بفاعلية في الحركة الثقافية في لبنان، من خلال ترؤسك «جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون» راشيا لبنان، والأمانة العامة لتجمع البيوت الثقافية في لبنان، كيف تقيّم هذه الحركة؟

بداية دعوني أتقدم من حضرتكم وجريدة «الجريدة» الكويتية بالشكر العميق على ثقتكم الكريمة بنا من خلال هذا الحوار، متمنياً أن نكون دوماً عند حُسن ظنكم.

Ad

عام 1992 أسست «جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون راشيا»، إذ كانت الحاجة كبيرة إلى إيجاد هيئة تُعنى في الشؤون الثقافية والاجتماعية في منطقة راشيا والبقاع الغربي، خصوصاً بعد انتهاء الحرب اللبنانية عام 1990 وما خلفت من انقسامات مناطقية وتباعد أبناء المجتمع الواحد عن بعضهم بعضاً، فكانت الجمعية واحدة من تجمعات قوى المجتمع المدني، وإطاراً ومُلتقى لأبناء القرى والبلدات للحوار والتفاعل الوطني الهادف الذي أثمر لغاية 2017 نحو 876 نشاطاً، تشمل القرى والبلدات اللبنانية على طول مساحة الوطن.

أنت لولب الحركة الثقافية في منطقة بعيدة عن بيروت، فهل الحركة الثقافية خارج العاصمة والمدن تلقى التجاوب ذاته كما في المدن؟

من المؤكد أن نجاح نشاطاتنا على مستوى لبناني وعربي وعالمي لم يكن ليتحقق لولا وجود بيئة ثقافية حاضنة لهذا النشاط، فمنطقة راشيا والبقاع، وكما كل لبنان، زاخرة بالطاقات الثقافية والإبداعية في شتى المجالات، وتدل على ذلك كثافة الحضور النوعي من المثقفين في نشاطاتنا، ما يحفزنا على الاستمرار والنجاح على مدى ثلاثة عقود.

تأخذ على عاتقك مهمة تحصين الأخلاق والارتقاء بمستوى الذوق الجمالي، ما هي الخطة التي تتبعها سواء في محترف راشيا أو تجمع البيوت الثقافية في لبنان لبلوغ هذه الغاية؟

نحن لا ندَعي أننا وحدنا نقوم بهذا الجهد لتعميم الأفكار الهادفة التي تركز على الثقافة والجمال، بل ثمة حراك كبير في لبنان من هيئات المجتمع المدني نتكامل معها في نشاطاتنا، لكن «جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون راشيا»، ومنذ انطلاقتها أخذت على عاتقها رفع الحس الجمالي في المجتمع، من خلال تعميم الفن المُرفَق بالثقافة الرصينة الهادفة، لذا ترين ما قامت به الجمعية من عشرات معارض الفنون على أنواعها الفنية والحرفية والتراثية ومسابقات الرسم لمدارس وثانويات لبنان سنوياً، وتشجيع الطاقات الإبداعية في المجالات المختلفة، ذلك كله يصبّ ضمن أهداف رفع الذوق العام، فأنا مؤمن بمقولة كلما ازدادت دائرة النور تتلاشى العتمة وسنستمر بإذن الله.

تراث وطبيعة

تجمع بين القلم والفرشاة للتعبير عن أفكارك في الأدب والحياة، متى تكتب ومتى تمسك بالريشة لترسم؟

في الواقع الكتابة والرسم هما وليدا اللحظة، فلا يمكن الرسم إلا عندما تناديني الريشة. الفن يأتي كما هو لا كما نريد، واللوحة تأتي كما هي لا كما يريد الفنان، وإثباتاً على ذلك عندما يكون الفنان منغمساً في لوحة ما تكون لديه أفكار قبل الرسم، وعندما ينتهي من اللوحة يفاجأ بأنها لا تشبه تلك التي قرر أن يرسمها. من هنا، الفن ينفلت من الزمان والمكان ليؤسس إبداعاً لأجيال لم تولد بعد. أقول إنني أرسم ولكن الفن يرسم بيد خفية معي، أنا أرسم عندما أتمخّض.

تركز على التراث في لوحاتك وعلى الطبيعة اللبنانية، فهل مردّ ذلك إلى خشية من أن تذوب الهوية اللبنانية في خضم العولمة ومواقع التواصل الاجتماعي وانتفاء الحدود بين الدول؟

مما لا شك فيه أن العصر اليوم هو عصر تسليع القيم وتفتيت الجمال، فالإنسان تحوَّل إلى وقود كرمى لعين أهداف الاقتصاد، الذي تعتبر مفاهيمه الجديدة تاريخ الشعوب شيئاً متحجراً يعوق تقدم العالم الاقتصادي، وبدأ التدمير الممنهج للتاريخ من خلال تحويل الإنسان من مجرد طاقة إبداعية خَلّاقة إلى آلة تعمل وتستهلك فقط، ويدل على ذلك هدم كل ما هو تراث في المدن العريقة وتحويلها إلى مراكز تجارية وأسواق، وغياب التراث من المناهج المدرسية وسياسات البلديات والوزارات المعنية، ناهيك عن الحروب وما تخلفه. لذا أجد من المهم كَرسّام أن تكون لدي رسالة جوهرية هي أرشفة التراث من خلال لوحاتي قبل هدمه، ولي في الكثير من الأماكن التي رسمتها وتم هدمها شواهد على ذلك.

علاقة وثيقة مع دولة الكويت

زرت في أبريل الماضي الكويت والتقيت وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الكويتي الشيخ محمد عبدالله المبارك الصباح ووزير الإعلام الكويتي الشيخ سلمان الصباح، ما أهداف هذه الزيارة؟

في الواقع حينما أتكلم عن الكويت وبكل صدق أُحسّ أنني أتكلم عن وطني لبنان لما للكويت من محبة في قلبي وقلب اللبنانيين، وهذه علاقة راسخة منذ عقود، فالتعاون الثقافي بين جمعيتنا ودولة الكويت انطلق عبر وزارة الإعلام الكويتية من خلال المكتب الإعلامي الكويتي في بيروت وسفارة الكويت، وهو تعاون يرتقي إلى أكثر من خمسة عشر عاماً، إذ نظمنا معاً مسابقات الرسم والكتابة لمدارس لبنان، وأقمنا معارض مشتركة، لذلك كانت لوزارة الإعلام الكويتية الأفضال في ذلك. كذلك أقمنا تعاوناً ثقافياً وفنياً مع الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية وبرعاية مدير عام الصندوق الاستاذ عبد الوهاب البدر.

أما لجهة زيارتي الكويت، كما تفضلتِ، فأتت من خلال تنظيم مسابقات في الرسم والكتابة لطلاب الأخوة النازحين السوريين في لبنان. نحن نعلم كم لدولة الكويت من أفضال على مد يد العون للنازحين السوريين، وبتوجيهات كريمة من رجل السلام الجامع لقيم النبل والمحبة صاحب السمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه، نظمنا مع وزارة الإعلام الكويتية المشكورة وبرعاية معالي وزير الإعلام الكويتي، على مدى سنتين، مسابقات في الرسم والكتابة طالت ما يقارب خمسين ألف طفل سوري، فكانت روعة في ما يتعلق بتنمية الطاقات السورية والتخفيف عن النازحين أزمة ابتعادهم عن بلدهم، ونحن مستمرون مع وزارة الإعلام الكويتية في العام المقبل بإذن الله لإكمال الرسالة الإنسانية.

تربطك علاقة وثيقة بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، إلى متى ترقى هذه العلاقة وكيف نشأت؟

كما نعلم جميعاَ في لبنان والوطن العربي بأن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت له أفضال كبيرة على الثقافة العربية، تشهد على ذلك مشاريع وإصدارات المجلس التي تكاد تكون موجودة في كل بيت عربي، وبما أننا جمعية تعنى في الشأن الثقافي، وجدنا من الضرورة التعاون مع المجلس الوطني، وهي علاقة ممتدة نحو خمسة عشر عاماً، ونظمنا سوياً معرضاً لطلاب لبنان الذين عَبّروا عن محبتهم للكويت رسماً، كذلك نشارك في مشاريع ثقافية للمجلس وفي معرض الكتاب، ونحن بصدد التحضير هذا العام لعمل كبير مع المجلس الوطني وهو إقامة معرض كبير للفن اللبناني في الكويت مترافق مع ورشة عمل لذلك.

لامركزية الثقافة

هل ثمة قواسم مشتركة بين مسيرة الثقافة في الكويت ومسيرة الثقافة في لبنان؟

لدينا إحساس راسخ في لبنان، كما الأشقاء في الكويت، بأن قواسم أخوية مشتركة كثيرة بيننا، وهذا ما نراه جلياً في حضور اللبنانيين في الكويت وفاعليتهم، وحضور الأخوة الكويتيين في لبنان منذ عقود، حتى أضحى بعض المدن والقرى اللبنانية على غرار حمانا وبحمدون وغيرهما يُسمّى قرى كويتية. من هنا، عندما نتعاطى ثقافياً مع الكويت نشعر بأننا في بيئتنا وبين أهلنا وهذا هو سر نجاح نشاطاتنا المشتركة على مدى عقدين.

كيف استطعت وأنت رئيس محترف في منطقة بعيدة عن بيروت الانفتاح على أكثر من دولة عربية من بينها الكويت والتفاعل معها؟

أنا على يقيبن بأن العمل الثقافي والاجتماعي الهادف الخالي من المنفعة الشخصية والذي يصبّ في خدمة توحيد المجتمع، يشق طريقه وحده ولا ندرك أين يصل، فالصبر والعزيمة والصدق والإخلاص واحترام الآخر، هي الأسس التي بنيت عليها الثقافة وتراكمت عبر السنوات ووصلت إلى ما نحن عليه اليوم، بحمد الله، من نشاطات تخطت لبنان إلى الكويت ودول عربية وعالمية ونلنا دروعاً وأوسمة وشهادات، كان آخرها شهادة الأمم المتحدة على لسان أمينها العام السابق بان كي مون.

هل يمكن القول إنك نجحت في تجربة لامركزية الثقافة في لبنان؟

برأيي، الثقافة تكسر أية عُزلة قائمة بسبب مخاطبتها العقل الإنساني، فبفضل الله عز وجل والجهد المبذول خلال ثلاثة عقود، توصلنا إلى إيجاد حالة ثقافية أخرجتنا من المكان الذي كان له الفضل علينا في بداياتنا في منطقة راشيا إلى رحاب الأمكنة الأوسع في لبنان والوطن العربي.

«سفير دبي أيقونة العالم»

عُين د. شوقي دلال في أكتوبر الماضي «سفير دبي أيقونة العالم»، يتحدّث حول هذا اللقب فيقول: «دبي أيقونة العالم» رسالة إنسانية أرساها بنهجه ومسيرة حياته حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، دام حضوره، بأعماله الإبداعية المشرقة التي يعتز بها كل مواطن عربي أينما وجد، ونتيجة لحضورنا الثقافي وأعمالنا عبر عقود اختارتني اللجنة المشرفة على مشروع دبي أيقونة العالم لأكون سفيراً للأيقونة التي دخلت في كتاب «غينس للأرقام القياسية» هذا العام، وبالطبع سأبقى وَفيّاً للرسالة الإنسانية التي أحمل مع شكري العميق للثقة الكريمة التي كُلّفت بها».